للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلُوبِهِمْ، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

(الأنفال: ٦٤- ٦٣) .

ففرض أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد يخدع من الخب الغادر اللئيم.

وأن الرجل المؤمن الحكيم، - وقد أوتى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الحكمة وعلمها الناس-، يخدع من ناحية ما يريد وما هييء له.

وقد أحب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تبليغ رسالة ربه وهداية العرب إلى الوحدانية، وعبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، وذلك عمله الذى بعثه الله تعالى له، وما كان قتاله إلا دفاعا. فالقتال لحماية الدعوة من الاعتداء، ولم يكن هدفا مقصودا لذاته، فإذا جاء من سهل له الدعوة استجاب، والحر الأبى لا يفرض الغدر ابتداء، ولكن يفرض الغدر حتما إذا كان الأمر من غادر.

وفي الحق أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم خدع في المرة الأولى لأنه رسول يريد تبليغ أمر ربه، قال تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (المائدة- ٦٧) فما كان له أن يتردد في إجابة من دعوه ليعلمهم الإسلام، وليقضى الله أمرا كان مفعولا.

هذا في يوم الرجيع، أما يوم بئر معونة، فما كان مخدوعا، بل كان يقظا، وخشى على من أرسلهم من خشونة أهل نجد، وجفوتهم، وأنهم أعراب غلاظ، وما وافق حتى عقد عهدا بالجوار، وكان مكتوبا بدليل أنه قدمه رسول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل فمزقه بسيفه، وبدليل أن بنى عامر رفضوا أن يصرخوا ابن الطفيل إذ استصرخهم حفظا للجوار.

ولكن الغدر والخيانة جعلاه يستصرخ بغيرهم، كما أصرخوه، وكان ما كان من قتل الأطهار العباد الزهاد الذين يحتطبون بالنهار، ويقومون بالليل.

ولقد أدرك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم غدر الغادرين، وربما ظن بقلبه الطاهر الربانى أنه لم يكن حريصا في إرسالهم، فقنت ثلاثين يوما استغفارا لربه، فما كان غير حريص، ولا مخدوعا في هذا.

وإنه مهما يكن الأمر في هذا، فإنه من المؤكد أن مسارعة عامر بن الطفيل لهذا الغدر، ما كانت إلا لإشاعة أن المؤمنين هزموا في أحد، فتكشفت قلوب الغادرين والمداهنين لقريش، الذين ظنوا فيهم القوة، والله ولى المؤمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>