للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستصرخ عليهم قبائل من بنى سليم عصية وذكوان ورعل فأجابوه إلى ذلك الغدر اللئيم، فخرجوا حتى غشوا المؤمنين، فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم حملوا سيوفهم، وقاتلوا، ولكنهم كانوا يقاتلون من أحاطوا بهم حتى قتلوا عن آخرهم كما ذكر.

ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد أخو زيد بن النجار، فإنهم تركوه وبه رمق، فحسبوا أنه مات، وكان عمرو بن أمية الضمرى في سرح القوم ورجل من الأنصار.

وفرا من القتل، فأخبرا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. فقنت ثلاثين يوما لما أصاب رسله، صلى الله تعالى عليه وسلم.

٤٤٣- تلك قصة بئر معونة في صفر، وبئر معونة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

ونلاحظ في هذه القصة بعض أمور:

أولها: أن أبا براء ما كان مسلما، وربما له ميل إلى الإسلام ولكنه زعيم في قومه، ويريد أن يكون مع قومه، فلا يكرههم حتى لا ينفروا ولكن يريد الدعوة إليهم، حتى إذا استأنس بإسلامهم أعلن إسلامه واكتفى بأن جعل الدعاة إلى جواره.

ثانيها: أن الغادر عامر بن طفيل كان يعمل لحساب الشرك أو لحساب مكة، وما كان ليفعل لولا أنه وجد في قريش قوة، وهى ما أشاعوها من هزيمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.

وثالثها: أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أرسل إليهم مبلغين حفظة عبادا يحتطبون نهارا، ويقومون ليلا، ولم يرسل معهم أبطال حرب كالزبير وسعد بن أبى وقاص وعلى بن أبى طالب، وإن كان هؤلاء في عبادتهم وزهادتهم لا يقلون عن الأولين، لأنهم أسود فوارس بالنهار قوامون بالليل.

رابعها: أن هذه ثانى غدرة برسل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، مبلغين ليغدر بهم، وكانت الأولى في يوم الرجيع، وهذه في بئر معونة.

فهل كان خدع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو قائد الأمة سهلا بهذا الشكل، فنقول:

لم يكن الخدع بعيدا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو بشر كسائر البشر، يحتاط، وكفاه، وقد فرض الله سبحانه أن يخدع، والكريم المخلص يخدع، والخب اللئيم الذى يفرض الشر لا يسهل خدعه كالكريم الطيب الذى يفرض في الناس الخير، وقال سبحانه وتعالى في ذلك: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>