وإذا كانت الحاجة إلى نصر الشرك تدعوهم إلى الاجتماع، فقد أخذ كبار اليهود الذين طردوا من المدينة يدبرون لهم، ويدخلون في صفهم، فاجتمع ناس من بنى قينقاع، وبنى النضير، بالمشركين يحرضونهم على الاجتماع، وأن يكونوا معهم، والمنافقون يرونهم، وبنو قريظة من ورائهم، فكان اليهود مدبرين، أو مشتركين في التدبير.
قال ابن إسحاق بسنده «إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبى الحقيق النضري، وحيى بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلى في نفر من بنى النضير، وبنى وائل.... وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقالوا إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله.
قالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأوّل، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه، قال اليهود أهل الكتاب الذين يدعون أنهم يتبعون التوراة: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق. وهكذا نرى حقدهم وعنادهم دفعهم إلى الكفر في دينهم، ولقد نزل فيهم قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (النساء- ٥١، ٥٢) .
ولم يكتف هؤلاء اليهود بتحريض قريش الذين لم يكونوا محتاجين إلى تحريض، ولكن يحتاجون إلى من يؤازرهم، بل إن أولئك النفر من اليهود خرجوا إلى غطفان من قيس بن غيلان فدعوهم إلى حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأخبروهم أنهم يكونون معهم، وأن قريشا قد تابعوهم. اجتمعت الأرض كلها، واجتمعت قريش، وغطفان، اجتمع هؤلاء ومعهم اليهود وغيرهم فخرجت قريش بقيادة أبى سفيان بن حرب.
وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن، وكان في بنى فزارة.
وبنو مرة وقائدهم الحارث بن عوف المرى.
وغير هؤلاء من القواد الذين كانوا يقودون جماعات.
اجتمع هؤلاء ومعهم قبائل من العرب، ليغزوا المدينة، وقد أمر الله تعالى نبيه بأن يقاتلهم كافة، وإنه لناصره كما قال تعالى: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة- ٣٦) .