للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالا له: يا رسول الله، أمر تحبه فتصنعه أم شيء أمرك الله به لا بد لنا من العمل به؟ قال صلي الله تعالي عليه وسلم: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك، إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلي أمر ما.

قال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء علي الشرك بالله، وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا شراء أو بيعا، أفحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام، وهدانا إليه، وأعزنا به وبك تعطيهم أموالنا، والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.

قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: فأنت وذاك. فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، وبذلك انتهت إرادة الصلح، إن كانت.

وقد أفاد عرض الصلح أمرين عظيمين.

أولهما: أن النبي صلي الله تعالى عليه وسلم علم عزمة أصحابه، وأنهم يريدون لقاءهم.

ثانيهما: أن ذلك أطمع غطفان ومن معها من القبائل، والطمع إذا سكن حل العزيمة وقد ترتب علي ذلك الإطماع، أنهم تململوا بطول الحصار وجري بينهم وبين القرشيين خلاف، وهموا أن يعودوا من حيث جاؤا من غير أن ينالوا شيئا.

٤٦٥- بهذا العرض خذل النبي صلي الله تعالى عليه وسلم بين قريش وبين من جاؤا بهم من الأعراب، وبقي أن يخذل بين اليهود وبين المشركين، وساق الله تعالى إليه من رضي بأن يكون لسان ذلك التخذيل.

فقد أتي رجل من غطفان هو نعيم بن مسعود وقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال صلي الله تعالى عليه وسلم: إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة.

خرج نعيم بن مسعود حتى أتي بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون علي أن تجلوا منه إلي غيره، وإن قريشا وغطفان قد جاؤا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم،

<<  <  ج: ص:  >  >>