للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كل اعتبار، فكان هذا من بعد تنبها إلى وجوب العمل على حماية المجتمع من مروجات الشر، ومن الخرص بالظنون، والاحتفاظ بكرامات البيوتات، ولقد قال تعالى في ذلك: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ، لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.

والخير فيما شرف الله به بيت النبوة، وفيما أعقبه من تطهير نفوس الذين خاضوا فيه بإقامة الحد عليهم بجلدهم ثمانين جلدة، ثم ما بين الله سبحانه وتعالى أن الإثم الذى اكتسبه بعض المهاجرين لا يمنع معونتهم من خير يسدى، فحسبهم عقوبة الحد الزاجر.

٤٩٦- ونذكر الآن حديث الإفك، كما جاء في كتب السيرة وصحاح السنة:

كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يختار من نسائه للسفر معه عند ما يريد السفر بالقرعة، فكانت القرعة في غزوة بنى المصطلق على أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق، فخرجت معه في هذه الغزوة وفي عودتها نزلت لحاجتها، فتخلفت عن الركب، ولنترك لابنة الصديق ذكر القصة، وقد وافق ما جاء في الصحيحين عن هذا الأمر.

قالت في سفره عليه الصلاة والسلام لبنى المصطلق، «فلما فرغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من سفره ذلك جاء قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة، نزل منزلا فبات فيه بعض الليل، ثم أذن مؤذن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس فخرجت لبعض حاجتى؛ وفي عنقى عقد ... فلما فرغت انسل من عنقى ولا أدرى، فلما رجعت إلى الرحل ألتمسه في عنقى فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل فرجعت إلى مكانى الذى ذهبت إليه، فالتمسته، حتى وجدته.

وجاء القوم خلافى الذين كانوا يرحلون إلى البعير (أى أنهم ساقوا البعير الذى كان يقلها) وقد كانوا قد فرغوا من رحلته فأخذوا الهودج، وهم يظنون أنى فيه كما كنت أصنع، فاحتملوه، فشدوه على البعير، ولم يشكوا أنى فيه، ثم أخذوا برأس البعير، فانطلقوا به، فرجعت إلى المعسكر، وما فيه داع ولا مجيب، قد انطلق الناس، فتلففت بجلبابى، ثم اضطجعت مكانى، وعرفت أنى لو افتقدت لرجع الناس إليّ، فو الله إنى لمضطجعة، إذ مربى صفوان بن المعطل السلمى، وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته، فلم بيت مع الناس، فرأى سوادى فأقبل حتى وقف، وكان يرانى قبل أن يضرب الحجاب فلما رآنى قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنا متلفلفة في ثيابى، قال:

فما خلفك يرحمك الله؟ فما كلمته ثم قرب إلى البعير فقال: اركبى، واستأخر منى، فركبت وأخذ برأس البعير وانطلق سريعا يطلب الناس، فو الله ما أدركنا الناس، وما افتقدت حتى أصبحت ونزل الناس، فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>