للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اطمأنوا طلع الرجل يقود بى، فقال أهل الإفك ما قالوا، وارتج العسكر، والله ما أعلم بشيء من ذلك، ثم قدمنا المدينة» .

هذه عبارة أم المؤمنين الصادقة بنت الصديق تبين الواقعة، كما هى؛ وكما عاينت وشاهدت، ولنتركها تذكر ما شاع ومن أشاع، فهى تحكى الوقائع، وتحكى خلجات نفسها المؤمنة الباكية وهى في غضارة الصبا.

«فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة لا يبلغنى من ذلك شيء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وإلى أبوى، لا يذكرون منه قليلا ولا كثير، إلا أنى قد أنكرت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعض لطفه بى، وكنت إذا اشتكيت رحمنى ولطف بى، فلم أزل في شكواى، فأنكرت ذلك منه، كان إذا دخل على وعندى أمى تمرضنى، قال: كيف تيكم؟

لا يزيد على ذلك، حتى وجدت في نفسى فقلت: يا رسول الله- حين رأيت ما رأيت من جفائه لى- لو أذنت لى، فانتقلت إلى أمى فمرضتنى، قال: لا عليك. فانقلبت إلى أمى، ولا علم لى بشيء، مما كان حتى نقهت من وجعى بعد بضع وعشرين ليلة ... فخرجت ليلة لبعض حاجتى ومعى أم مسطح ابنة أبى رهم بن عبد، فو الله إنها لتمشى إذ عثرت في مرطها، فقالت: تعس مسطح، قلت: بئس لعمرو الله ما قلت لرجل من المهاجرين، وقد شهد بدرا!! قالت: أو ما بلغك الخبر، فأخبرتنى بالذى كان من قول أهل الإفك، قلت: أو قد كان هذا؟ قالت: نعم والله قد كان، فو الله ما قدرت على قضاء حاجتى، ورجعت، فو الله ما زلت أبكى، حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدى، وقلت لأمى: يغفر الله لك!! تحدث الناس بما تحدثوا به، ولا تذكرى لى من ذلك شيئا!! قالت: أى بنية خففى عليك الشأن، فو الله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر، إلا كثرن وكثر الناس عليها.

قالت: وقد قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فخطبهم، ولا أعلم بذلك فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس ما بال رجال يؤذوننى في أهلى، ويقولون عليهم غير الحق. والله ما علمت عليهم إلا خيرا، ويقولون ذلك لرجل ما علمت منه إلا خيرا، ولا يدخل بيتا من بيوتى إلا وهو معى.

قالت أم المؤمنين عائشة: وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح، وحمنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم تكن امرأة من نسائه يناصبني في المنزلة عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيرا، وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت، تضارني لأختها، فشقيت بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>