للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير: يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم، وإن يكونوا من إخواننا الخزرج، فمرنا أمرك، فو الله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم.

فقام سعد بن عبادة، وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا، فقال: كذبت لعمرو الله، ما تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا لأنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا.

فقال أسيد بن حضير: كذبت لعمرو الله، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين، وتساور الناس.

حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر.

فدخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عليّ، فدعا على بن أبى طالب، وأسامة بن زيد، فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى خيرا ثم قال: يا رسول الله أهلك، وما نعلم عنهم إلا خيرا، وهذا الكذب والباطل.

وأما على فإنه قال: يا رسول الله إن النساء لكثير، وإنك لقادر أن تستخلف، وسل الجارية فإنها ستصدقك، فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بريرة يسألها، فقام إليها فضربها ضربا شديدا «١» .

ويقول: أصدقى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتقول (بريرة) : والله ما أعلم إلا خيرا، وما كنت أعيب على عائشة إلا أنى كنت أعجن عجينى، فامرها أن تحفظه، فتنام عنه، فتأتى الشاة فتأكله.

ثم دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وعندى أبوى، وعندى امرأة من الأنصار، وأنا أبكى وهى تبكى، فجلس، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ثم قال: يا عائشة، إنه قد بلغك من قول الناس فاتقى الله، إن كنت قد قارفت سوآ مما يقول الناس، فتوبى إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، فقلص الدمع، حتى ما أحس منه شيئا. وانتظرت أبوى أن يجيبا عنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلم يتكلما، وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسى وأصغر شأنا من أن ينزل في قرآنا يقرأ، ويصلى به الناس، ولكنى كنت أرجو أن يرى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما يكذب الله به عنى لما يعلم من براءتى، ويخبر خبرا، وأما قرآنا ينزل في، فو الله لنفسى كانت أحقر عندى من ذلك.

ولما لم أر أبوى يتكلمان قلت لهما ألا تجيبان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. فقالا: فو الله لا ندرى بما نجيبه، ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبى بكر في تلك الأيام، فلما استعجما على استعبرت فبكيت، فقلت: لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا، والله إنى لا أعلم إن أقررت


(١) أكثر الروايات لم تذكر الضرب، وما كان لعلي أن يضرب في حضرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وفسر السهيلي الضرب بالقول الشديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>