بما يقول الناس، والله تعالى يعلم أنى منه بريئة لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت يقولون لا تصدقونى، ثم التمست اسم يعقوب أذكره، ولكن سأقول كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ، فو الله ما برح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مجلسه، حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسجى بثوبه، ووضع وسادة من أدم تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فو الله ما فزعت، وما باليت، قد عرفت أنى بريئة، وأن الله تعالى غير ظالمى، وأما أبواى فو الذى نفس عائشة بيده ما سرى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى ظننت لتخرجن أنفسهما حزنا من أن يأتى من الله تحقيق ما قال الناس، ثم سرى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فجلس، وإنه ليتحدر عن وجهه مثل الجمان- فى يوم شات- فجعل يمسح العرق من وجهه، ويقول: أبشرى يا عائشة قد أنزل الله عز وجل براءتك.
قلت: الحمد لله.
ثم خرج على الناس فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله تعالى من القرآن الكريم، ثم أمر بمسطح ابن أثالة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدهم.
٤٩٧- ذكرنا القصة مع طولها، كما جاءت على لسان المجنى عليها، وقد اخترنا تلك الرواية لما فيها من جمع لكل معانى الروايات، لأنها تصور نفس تلك الصبية الكريمة التى لم تكن قد تجاوزت الرابعة عشرة من سنها.
امتحن الله تعالى تلك الصبية الطاهرة لزوج أعظم رجل في الوجود الإنسانى وابنة صاحبه في الغار، وهى في سن قريب من الطفولة، امتحنت أولا- بأن تخلفت عن الركب، وصارت في أرض قفر وحدها، فلم تصرخ ولم تولول، بل فوضت مؤمنة أمرها لربها، وتجلببت بجلبابها، ونامت آمنة مطمئنة منتظرة أمر الله فيها عالمة أن الله لا يضيعها، ويجيء رجل مكتمل عرف بالتقوى، بل قيل أنه حصور ليس له في النساء أرب، فاسترجع عند ما رآها، وعجب أن يرى في الليل، وفي هذا المكان الموحش، وهو يسترجع ويقول: ظعينة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وينيخ لها البعير، فتركبه من غير معونة أحد، وليس معها مكان الرحيل بها وهو هودجها، إذ أنه حمل على بعيرها، زعم من رفعوه إليها أنها فيه، لصغر ثقلها.
وإنها من بعد ذلك تستقبل المدينة بصخبها وجلبها، ونفاق بعضها، وفضول الأكثرين الذين لا يتركون الظن أو التظنن، وهو من الإثم، كما قال الله تعالى: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (الحجرات- ١٢) .
وإذا ظنوا أشاعوا غير ناظرين إلى عاقبة، ولا إلى أثر القول، ولا إلى موضوع القول، ومكانة صاحبته فى أهلها وبعلها، ومكان من يناله السوء من إشاعة، ويندفع في ترداده غير عالم له بحقيقة، ولكنها ظن السوء المجرد وشهوة قول الفتنة، والفضول الذى يسود بعض الناس، وما أصدق قول الله تعالى في وصف