للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين خاضوا، وهم الجماعات الإنسانية قلوا أو كثروا، وهو يقدم لهم أحسن الأدب، وما يجب التحلى به عند ما يقال القول من أحمق مأفون، أو منافق مفتون، يقول تعالت كلماته: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (النور ١٥- ١٧) .

نعم إنهم تلقوه بألسنتهم، لا بعيونهم، وأخذوه من الألسنة المرددة، لا من مصادر العلم المتيقنة، وأشاعوه بالأفواه لتزجية القول في المجالس، والسمر الماجن الفاسد، ويحسبون ذلك أمرا سهلا، معتادا، وهو عند الله تعالى أعظم الفرية، وإن المؤمن لا يتلقاه بالترويج والإشاعة إنما يرده، أو يبعدوا الفضول عن أنفسهم، وإنه لا ينبغى ترداده، بل رده، لأنه بهتان عظيم.

وهنا قد شاعت قالة السوء، ورددها المهاجر والأنصارى والمنافق والمخلص في غير تحر ولا احتراس عن لغو القول وبهتانه، هنا نجد عظمة الرسول، وإيمانه بأن الطيبين للطيبات وحسن ظنه بأهله. وقوة إيمانه النبوى وضبط نفسه، وصبره، فيقول شاكيا الناس إلى الناس: ما بال رجال يؤذوننى في أهلى، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيرا، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا، ولا يدخل بيتا من بيوتى إلا وهو معى.

لام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الرجال الذين أشاعوا القول الكاذب، وتضمن قوله لوم الذين استمعوا إليهم.

ولقد كان ذلك إنهاء لترداد القول، لأن الذى نفى الخبر وكذبه هو صاحب الشأن، وهم من علموه لا ينطق عن الهوى. فكان ذلك إطفاء للثائرة.

ولكن إذا كان ذلك القول من أخلاق النبوة فقد بقى حكم البشرية، والبشرية لها سلطان لم تكذب ولم تصدق، ولكن النفس ارتابت، والارتياب ينساب في النفوس إذا كانت له أسباب ولو بالظن الذى لا دليل على صدقه.

وهنا نجد التعليم العالى من محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لمن يختبره الله تعالى بمثل تلك القالة الآثمة. فهو لا يسارع إلى أهله يبادرهم بالاتهام أو الإيذاء، أو غير ذلك مما يرتكبه ابن الإنسان في غضبه أو ريبه، بل إنه يتلقى ذلك بالصبر الكظيم الهاديء الذى يميل إلى التبرئة، ولا يميل إلى الاتهام.

ولكن أمرا لا يملكه وهو ألا يبدو عنه أثر للألم المكين، وإن لم يظهر لعنا ولا سخطا، بل إنه لا يفكر في أن يذكر لها الخبر، حتى تتبرأ، فتكون الزوبعة قد هدأت والسحابة العارضة قد تبددت، ولكنها

<<  <  ج: ص:  >  >>