لا تعلم، وقد كانت غافلة عما يجرى بين الناس من قول، قد أطفأه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بإعلان كذبه وبهتانه.
ولكن الصبية الطاهرة المؤمنة تعلم، والقول يجرى بشأنها من الآثمين الذين لعنهم الله تعالى في كتابه، إذ قال: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور- ٢٤) وأى ذنب أعظم إثما من رمى هذه المؤمنة الغافلة الوفية ابنة الصديق وزوج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بمنطق العقل والإيمان لا يصدق، وبمنطق النفس البشرية يرتاب، فاستشار خواصه، فكلهم كذب، وشدد في التكذيب، وهو يقول إنك طيب لا يختار الله تعالى لك إلا طيبا، نسب ذلك لعمر بن الخطاب الفاروق.
وقد سأل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اثنين من القريبين من بيته، وهما أسامة بن زيد، وعلى بن أبى طالب.
سأل أسامة، فأثنى خيرا، وكلامه في أم المؤمنين عائشة يترقرق فيه بشر الاطمئنان. وسأل عليا القاضى الذى قال فيه «أقضاكم علي» فأجاب إجابة قوية لم يتهم ولم يكذب، ولم يثن، ولم يهاجم، بل وقف كما يقولون موقفا محايدا.
وفي الحق إن ذلك هو السبيل لإزالة الريب، قال: يا رسول الله إن النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف. وإن هذا لا شك ما كانت أم المؤمنين ترضاه من على بطبيعة المرأة المحبة المخلصة المثالية، وهو مهما يكن أثره في قلب أم المؤمنين يؤيد حياد على في القضية، وهو يجعله أقرب إلى الاتباع، يقول على القاضى المحقق: سل الجارية فإنها تصدقك، أخذ التحقيق طريقه، فسأل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بريرة، فقالت ما أدخل الاطمئنان في قلب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وابتدأ يزيح غشاء الشك.
قالت: والله ما أعلم إلا خيرا، وما كنت أعيب على عائشة شيئا، إلا أنى كنت أعجن عجينى، فامرها أن تحفظه، فتنام عنه، فتأتى الشاة فتأكله.
كان الاطمئنان وإن لم يكن كاملا، وخصوصا أن الوصف الذى وصفتها به هو من أسباب إشاعة قول السوء من الأفاكين الآثمين، فإذا كانت غلبة النوم تسببت في أن تأكل الشاة عجين بريرة، فقد كانت غلبة النوم هى التى فتحت باب الاتهام الآثم للأفاكين.
بعد أن استأنس النبى بدليل البراءة بعد أن برأها بإيمانه، وبعد أن علمت هى، واجهها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهى حبه في الدنيا والآخرة، قال لها ما يدل على أنه غير خاف ولا تارك