٤٩٨- هذه حادثة الإفك والبهتان، وننظر فيما تشير إليه الآيات الكريمات التى نزلت ببراءة الطاهرة الصادقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها.
تشير الآية الكريمة أولا إلى أن أكثر الشر في الجماعة يجيء من أمور يحسبها الناس أمورا هينة وليست هينة في ذاتها، بل هى إثم كبير، كما أنها ليست هينة في آثارها لأنها تحل المجتمع وتشيع الفاحشة فيه، وتهون الرذائل ويكون فيه رأى عام غير فاضل، بل رأى عام فاسد، ولا تفرخ الرذائل إلا في رأى عام فاسد، ولذلك شدد القرآن الكريم في وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ليكون رأى عام فاضل يحث على الفضيلة، ويدفع الرذيلة.
وتدل الآية ثانيا على أن الشهادة في الفاحشة، لا تكون إلا بأربعة شهداء وإلا كان القول كاذبا عند الله تعالى مهما تكن مكانة القائل الاجتماعية، ولذلك اقترن بهذه القالة الفاسدة حد القذف.
وتدل ثالثا على أن الظالم لا يظلم ولا يمنع من الخير مادام قد استوفى عقابه على ما ارتكب، لقد كان أبو بكر رضى الله تبارك وتعالى عنه يمد مسطحا وهو ذو قرابة به، فلما خاض في حديث الإفك، قطع عنه فنزل نهى الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى في الآيات التى تلوناها، وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى إلى آخر الآية الكريمة.
وتدل هذه الآية على أمرين:
أولهما: أن الزكاة يجوز إعطاؤها للعصاة وقد أخطأ في ذلك بعض الفقهاء، فإنها قد تمنعهم من كثير من الجرائم، وقد تدنى قلوب العصاة، فإن الجفوة تولد الجرائم، والعطاء يرطب النفوس فلا تجفو، وتحس بأن عيشها مؤتلفة مع الجماعة أدنى إلى الراحة.
ثانيهما: أن الإعطاء عند الجفوة يقرب ويمنع البعد، وأن الصدقة تطفيء المعصية وتجلب الغفران، ألا ترى إلى قوله تعالى: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ولقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم «ليس الواصل بالمكافىء، إنما الواصل من يصل رحمه عند القطيعة» .
وتدل رابعا على طهارة نساء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم طهارة مطلقة لأن الخبيثات للخبيثين والطيبات للطيبين، فتلك سنة الله تعالى في خلقه، ولم تكن مخالفتها إلا في امرأة فرعون التى ذكرها القرآن