قال الأمير: ألا تخبرنى عن قريش كيف صنعت، فقلت اتبعوه، إما راغب فى الدين، وإما مقهور بالسيف. قال: ومن معه، قلت: الناس قد رغبوا فى الإسلام، واختاروه على غيره وعرفوا بعقولهم مع هدى الله تعالى إياهم أنهم كانوا فى ضلال، فما أحد منهم بقى غيرك فى هذه الخرجة، وإنك إن لم تسلم اليوم وتتبعه توطئك الخيل وتبيد خضراءك، فأسلم تسلم ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرجال.
قال الأمير: دعنى يومى هذا وارجع إليّ غدا.
فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو إنى لأرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه.
حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لى.
فانصرفت إلى أخيه، فأخبرته أنى لم أصل إليه، فأوصلنى إليه.
قال الأمير: إنى فكرت فيما دعوتنى إليه، فأنا أضعف العرب، إن ملكت رجلا ما فى يدى، وهو لا يبلغ خيله هاهنا، وإن بلغت خيله لقيت قتالا ليس كقتال من لاقى.
قلت: وأنا خارج غدا.
فلما أيقن بمخرجى، خلا به أخوه، فقال: ما نحن فيما ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه، فأصبح فأرسل إليّ، فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا، وصدقا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وخليا بينى وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لى عونا.
وقد نقلنا المحاورات التى كانت بين عمرو بن العاص، والأميرين، اللذين مال أحدهما إلى الإسلام ابتداء، ومال الثانى إليه انتهاء، وأسلما وحسن إسلامهما.
وإن هذه المحاورة والاستجابة لما فى الكتاب تدل على أن الإسلام قد تغلغل فى نفس العربى ما بين مؤمن به وناظر إليه، ومخادع فيه، وإنه كان موضع تفكير المفكرين.
وإن هذه المحاورة تدل على أنهم كانوا من النصارى، وأن هرقل لأنه ملك أكبر دولة مسيحية كان له هيمنة على نصارى الشرق، فمصر تابعة له، والحبشة له خرج على النجاشى ملكها.
ويدل أيضا على إيمان النجاشى بأنه لا ولاية لغير المسلم على المسلم، ولذلك رفض أن يرسل الذى كان عليه أن يؤديه، وقال له فى قوة وحزم: لا أدفع درهما.