وسمى هؤلاء ذميون، لأن لهم ذمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول «من آذى ذميا، فأنا خصمه يوم القيامة ومن خاصمته خصمته» .
ولقد كانت لهؤلاء الذميين رعاية خاصة احتفاظا بحرمات الأديان.
وقد قرر الفقهاء جواز عقد الذمة لليهود والنصارى والمجوس، وقد عقد الذمة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، بنص القرآن الكريم، فقد قال تعالى فى ذلك: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ. (التوبة- ٢٩)
فثبت بهذا أن أخذ الجزية يعفيهم من القتال، وقد شرحنا ذلك عند الكلام فى أخذ الجزية.
أما أخذ الجزية من المجوس، وغيرهم كأهل الكتاب، فى أن يكونوا ذميين وتؤخذ الجزية منهم فإنه ثبت ذلك عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى كتابه للمنذر بن ساوى، وفى غيره من الأخبار والأحاديث.
ومشركو العرب يقتلون أو يسلمون حتى لا يكون فى الأرض العربية دينان وتكون خالصة للإسلام والمؤمنين، لأنها أرض الإسلام، منها انبعث، وإليها يعود.
بقى حكم الوثنيين غير العرب كالهنود وعبدة النجوم وكالبوذيين الذين يعبدون بوذا وتمثال بوذا إلى غير هؤلاء، فقد قرر أبو حنيفة وأصحابه أن الجزية تؤخذ منهم، ويكونون ذميين، وذلك بالقياس على المجوس، لأنهم ليسوا أسوأ حالا من عبدة النار، فليس عبدة الشمس بأسوأ من عبدة النار، وكذلك غيرهم، وإلى هذا الرأى نميل.
وإن الذمة عقد يثبت بالأمان والإقامة، وهو يوجد التزاما على ولى الأمر من المؤمنين بأن يتركهم وما يدينون، لا يضطهدون فى شعائرهم بل يقيمونها، وأن يعاملوا معاملة المؤمنين فى التمكين من الحياة وحمايتهم فى أنفسهم وأموالهم وحرماتهم، وأنكحتهم، وكل شؤون أسرتهم فيما بينهم، ولا يحرمون من حق وعليهم أن يلتزموا أولا بكل الأحكام الإسلامية، فتطبق عليهم العقوبات الإسلامية كاملة، يطبق عليهم القصاص، وتطبق عليهم الحدود كلها: حد السرقة، وحد الزنا، وحد القذف، فيقام عليهم إن قذفوا محصنة أو محصنا من المسلمين، ويحدون حد قطاع الطريق.
وتطبق عليهم الأحكام الإسلامية فى المعاملات من بيوع وإجارة ومداينات، ولا يأكلون الربا، ويخضعون معاملاتهم لأحكام ربا البيوع.