للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٥- استاق جيش أبرهة إبلا لعبد المطلب، وقد طلب هو لقاءه فلقيه ليؤكد ما قاله لرسوله بالقول المتضمن فعلا، إذ قرر أن يطالبه برد الإبل التى استاقها جيشه بعلمه أو بغير علمه.

التقى عبد المطلب المهيب غير المرهوب بعد أن علم أبرهة قوله.

ولقد كان عبد المطلب من أوسم الناس وأجملهم وأشدهم هيبة، فلما راه أبرهة أجله وأكرمه، فنزل عن سرير ملكه وجلس بجواره، ثم قال له بلسان الترجمان:

قل حاجتك. فقال للترجمان: حاجتى أن ترد لى إبلى، مائة بعير أصابها، فقال أبرهة: كنت أعجبتنى حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتنى. أتكلمنى فى مائة بعير لك، وتترك بيتا هو دينك ودين ابائك قد جئت لهدمه لا تكلمنى فيه.

فقال عبد المطلب- يضع أبرهة أمام الله تعالى وجبروته الذى فوق كل جبروت: أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه. قال أبرهة، وقد غلب عليه الفزع: ما كان ليمتنع منى. قال عبد المطلب: أنت وذاك.

لا شك أن عبد المطلب يهدده بالله، أولا بتأكيد أن الله مانع البيت، وثانيا بأن قال له أنت وذاك، كان التهديد واضحا، وإن كان هادئا، ولعل الذى قوى وقعه هدوءه، فالهدوء يخاطب النفس فتعتبر، وخصوصا لمن تعود الانتصار المادى الذى يكون فيه إيمان فى الجملة بالغيب، وأبرهة نصرانى.

عندئذ تحقق رجاء عبد المطلب فى ربه، وتحقق أمر الله ببركة الجنين الذى حله فى بطن أمه، وهو سيد الخلق محمد صلّى الله عليه وسلّم.

أرادوا بالفيل أن يسير متجها إلى البيت الحرام، فوقف ولم يسر إليه وحبسه الله تعالى عنه، فوجهوه إلى اليمن، فاتجه، فوجهوه إلى الشام فاتجه، ثم أرادوا أن يوجهوه إلى البيت، فامتنع «١» ، ولهذا كانت إرادة الله أن ينجو البيت ببركة الجنين المستكن فى الغيب المستور.

ولو أن أبرهة اعتبر واعتزم العودة إلى اليمن لرضى من الغنيمة بالإياب، ولكنه اعتزم تنفيذ نيته، فلم يبق إلا أن يأخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، فأرسل الله تعالى طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، كما قال سبحانه وتعالى فى سورة الفيل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ.

فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ «٢» .


(١) الاكتفاء ج ١ ص ١- ٥. ١٣٢، ١٣٣، ١٣٤ ومن تاريخ البداية والنهاية لابن كثير.
(٢) سورة الفيل: ١- ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>