للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتتهم رياح عاصفة، ومعها طير جاء جماعة بعد جماعة، ترميهم بحجارة صلبة شديدة قوية تنفذ فى الجسم، لا تبقى فى ظاهره، بل تدخل فى باطنه، وراء جلده، وقد جعلتهم كعصف مأكول، أى كبقل أكل لبه، وبقى قشره، وقد قال علماء الأخبار أن تلك الحجارة الصلبة التى أرسلها الله تعالى بريح عاصف كانت صغيرة تشبه حب العدس، وأن الطير كان يحملها فى منقاره، وفى رجليه.

ولقد قال بعض الكتاب إنهم أصيبوا بالجدرى قرح أجسامهم، ولعل جرثومة ذلك الداء الوبيل كانت فى الأحجار التى رمتها الطيور التى جاءتهم وباء وبلاء، وإهلاكا، وقد كادوا من الشر كيدهم، ودبروا بالفساد أمرهم، وتحدوا بيت الله وهو أول بيت وضع للعبادة، والذى كرمه الله وباركه.

وليس عندى ما يمنع أن يكونوا قد أصيبوا بالجدرى بما رماهم الله تعالى به، فقد قال ابن إسحاق فى سيرته «حدثنى يعقوب بن عيينة أنه أول ما رميت الحصبة والجدرى بأرض العرب كان فى ذلك العام» هذا كلام مقبول إذا قلنا أن الحجارة كانت تحمل معها جرثومة هذه الأمراض الفتاكة، ولكن ما لا يقبل هو القول بأن الطير هى جراثيم ذلك المرض، لأن هذا يكون مخالفا لنص الاية الكريمة، إذ أن نص الاية الكريمة يفيد أن الطير رمتهم بحجارة قوية شديدة.

٧٦- إن ذلك العذاب الأليم الذى أصابهم فى الدنيا، فبعد أن أرسل الله تعالى عليهم الطير الذى جاء جماعة بعد جماعة، ورماهم بالحجارة الجامدة التى كانت تنفذ إلى جسمهم، وتضع فيه جراثيم الأمراض الوبيلة كالحصبة والجدرى، وصاروا يتساقطون فى الطرق، ويهلكون كل مهلك، وقد وصف حالهم ابن إسحاق فقال: «خرجوا يتساقطون ويهلكون بكل مهلك على كل منهل، وأصيب أبرهة فى جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنملة بعد أنملة، كلما سقطت أنملة أتبعتها منها مدة (صديد) تمت قيحا ودما، حتى قدموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون» .

عاد من حيث خرج، ولكن فرق ما بين العودة والخروج، إنه فى الخروج، كان قويا فى بدنه مغرورا فى نفسه يصحبه جيش لجب، يحسب أن لن يغلبه أحد، وقد غلب من قاومه حتى إذا جاء إلى رحاب الله يتحدى الله تعالى فى بيته، ويريد هدمه، وقد جعله الله تعالى مباركا، عاد مذموما مدحورا، مقصوص الجناح، لا مجازا ولكن حقيقة، فقد تقرح جلده، وتساقط، وذهب تدبيره كله فى ضلال العماء.

وقد استجاب الله تعالى لعبد المطلب، وهو اخذ بحلقة باب الكعبة يقول:

لا هم أن العبد يمنع ... رحله فامنع رحالك

لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدرا محالك

<<  <  ج: ص:  >  >>