عليه وسلم قد وضع الله تحت تصرفه خمس الغنيمة، والغنائم كلها تحت تصرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، يقيم القسطاس والعدل والرحمة فيها، ألم تره عندما رأى الرحمة ونظام الإسلام أن ترد السبايا إلى أهلهن، وأن يطلق سراحهن نفذ ذلك، وقد صارت السبايا إلى من هى فى أيديهن، فنزعها منهم بحكمته، قدمها المؤمنون طوعا واختيارا واتباعا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ونفذها على بنى عبد المطلب، ولم يحاول أن يأخذ بغير رضا منهم ومن امتنع من المسلمين الذين لم يدخل الإيمان قلوبهم حملهم على رد السبايا وعوضهم.
فالغنائم كلها فى يده يتصرف فيها بما توجب النبوة والدعوة الإسلامية، والرحمة والعدل الإسلامى، لا طلب الأهواء الذى هو الظلم ذاته.
لقد وجد أن الدعوة الإسلامية توجب تأليف قلوب، لهم فى قومهم منزلة وليس لهم فى الإسلام جهاد ولم يدخل الإيمان قلوبهم، وقد أكلتهم الضغينة وقتل الجهاد والمجاهدون من قتل منهم، ويريد تأليفهم إلى الإسلام، ونسيان الإحن، فأعطى أبا سفيان وأولاده، وأعطى الأقرع بن حابس وغيره. لقد قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أعطيت الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وتركت جعيل بن سراقة الضمرى، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مبينا سبب العطاء، وهو لم يمنع أحدا حقا له:
«أما والذى نفس محمد بيده لجعيل خير من مثل عيينة والأقرع، ولكن تألفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة لإسلامه» .
هذا هو أساس العطاء، وهؤلاء نظروا إلى الأموال، ولم ينظروا إلى واجب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى نشر الدعوة، وما يراه طريقا لتأليف القلوب.
وإن قوله تعالي: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ، فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (التوبة- ٥٨) فهذه الآية نزلت فى المنافقين، والذين اعترضوا كانوا من الأعراب الذين هم أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً، وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ
(التوبة- ٩٧) .
وما كان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ليخضع فى أمر الدعوة ومقتضياتها لناس حديثى عهد بجاهلية، وحسبه أن يكون معه المهاجرون والأنصار، والذين أخلصوا دينهم لله سبحانه وتعالى.