وروى أن ثقيفا، قد اشترط وفدها أن لا صدقة عليه ولا جهاد فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:«سيتصدقون ويجاهدون» .
ويظهر أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يظهر ذلك الشرط، أو لم يظهر إجابته انتظارا لما يكون بعد إسلامهم. ويروى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أراد أن يا بنى مسجدا، حيث كان طاغيتهم (اللات) .
٦٥٩- ذكرنا أحوال وفد ثقيف مع طوله، لأن فيه بيانا لأحوال النفوس وكيف تعالج، إنهم قوم أشداء غلاظ، فإنه يتبين من حديثهم كيف تسيطر الأوهام عند نقص المدارك، لقد هدمت كل الأوثان فى مكة المكرمة، فما رأينا من قريش ما ظهر من ثقيف عندما هدمت اللات أو الطاغية كما يسمونها، وكيف كانوا يعتقدون أن من يهدمها يسقط، وكيف تعابث بهم المغيرة، فأسقط نفسه عند ضرب أول ضربة فصاحوا ثم كان الهادم هو خالد بن الوليد القرشى الذى كان حديث عهد بالجاهلية.
أثبتت القصة كيف تستولى الأهواء والشهوات على النفوس غير المؤمنة، حتى إنهم ليطلبون منه إباحة الزنا والخمر، والربا، وقد ردهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وما أشبه أجلاف ثقيف بالمسلمين العصريين المجددين الآن الذين يستبيحون الربا، ويعاضدهم بعض الذين يتسربلون سربال العلماء، وكانوا يحفظون القرآن الكريم، ويستبيحون الزنا أحيانا باسم المتعة وأحيانا باسمه الصريح، ويعدونه تقدما، ويستبيحون الخمر جهارا نهارا.
وبين أيدى الذين أباحوا المتعة عندما طلبوا إباحة الزنا لأجل اغترابهم، فكان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يشير إليهم بالمتعة، لو كانت مباحة، كما يقول أولئك المتفلسفة الذين يريدونها لأغراب التلاميذ ولا حول ولا قوة الا بالله.
وهناك أمر تربوى رائع، وهو علاج كنانة بن عبد ياليل لشماس ثقيف إذ أنه أخفى إسلامه وصحبه وطلب إليهم الاستعداد للحرب، ففكروا مليا، وطلبوا هم التسليم للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم. ولو أظهر إسلامه ومن معه ابتداء، ليقتلوهم كما قتلوا عروة بن مسعود، إن الأمر إذا عرض مقررا قاطعا، قاومته النفوس المشاكسة الشامسة، لأن من طبيعة هذا النوع من النفوس أن ترد ما يعرض عليها على أمر لا بد منه إذ ليسوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فاتبع كنانة بن عبد ياليل طريق التمهيد للأمر الذى قرره، حتى يطلبوه هم، فلا يكون مفروضا عليهم، بل يكون استجابة لما فى نفوسهم.
وننبه هنا إلى أن بعض الروايات ذكرت أن ثقيفا عرضت الأمر على أبى بكر، فى حجته، ولكن نجد السياق التاريخى لا يؤيد هذا، ذلك أن ابن إسحاق يقول: إن وفد ثقيف كان فى رمضان. فبينهما زمن، وحج أبى بكر متأخر عن رمضان، والله أعلم.