خوفوهم بالحرب، وأن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم سألهم أمورا فأبوها، سألهم هدم اللات والعزى وتحريم الخمر والزنا والربا فأبوا.
أظهر الوفد الحزن والكرب، وسرى ذلك إلى ثقيف، وذهب الوفد إلى اللات وثن ثقيف يكرمها، وأظهر كل من فى الوفد لخاصته، أنه جاء من عند رجل فظ غليظ القلب يأخذ من شاء بظهر السيف، وأدان له العرب ففرض علينا أمورا شدادا، هدم اللات والعزى وترك الأموال ... إلى آخر ما طلب.
قالت ثقيف: لا نقبل ذلك أبدا.
فقال الوفد المدرك: أصلحوا السلاح، وتهيئوا للقتال واستعدوا له، ورموا حصنكم.
فكرت ثقيف يومين أو ثلاثة يدبرون القتال، ثم ألقى الله فى قلوبهم الرعب، وقالوا: والله ما لنا به طاقة، وقد دان له العرب كلها، فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل، وصالحوه عليه، فلما رأى الوفد أنهم قد اختاروا الأمان على الخوف والحرب. عندئذ أظهر لهم ما أخفى، وقال لهم الوفد: فإنا قد قاضيناه، وأعطيناه ما أحببنا، وشرطنا ما أردنا، ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأصدقهم وأرحمهم، وقد بورك لنا ولكم فى مسيرنا، وفيما قاضيناه عليه فاقبلوا عافية الله.
قالت ثقيف: فلم كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا أشد الغم، قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان. فأسلموا مكانهم، وجاءتهم رسل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقد أمر على هذه الرسل خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة.
أقدم المغيرة ليهدمها، وثقيف كلها رجالا ونساء يزعمون أنها لا تهدم أبدا يظنون أنها ممتنعة عن الهدم، فأخذ المغيرة يخادعهم مستهزئا بزعمهم، وقال: لأضحكنكم اليوم من ثقيف، فأخذ المعول يضرب به، ثم أسقط نفسه وركض، فارتج أهل الطائف بضجة واحدة، وقالوا: أبعد الله المغيرة، قتلته الربة، وفرحوا حين رأوه ساقطا، وقالوا: من شاء فليقترب، وليجتهد على هدمها، فو الله ما استطاع.
بعد أن أثار المغيرة ثقيفا مستهزئا بهم وثب وأخذ المعول ليهدم، وقال: قبحكم الله معشر ثقيف، إنما هى حجارة ومدر، ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا أعلى سورها، وعلا الرجال معه فهدموها حجرا حجرا حتى سووها بالأرض.
ولكن صاحب مفتاح اللات ما زال على ضلاله فجعل يقول ليغضبن الأساس، فليستخفن بهم، فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد: دعنى أحفر أساسها فحفره، حتى أخرجوا ترابها فبهتت ثقيف ثم انتزعوا حليها وكسوتها وأتى بها الوفد إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.