للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اتجه عثمان وابن عوف إلى على بن أبى طالب يسألانه: ما رأيك يا أبا الحسن فى هؤلاء القوم، فقال على رضى الله عنه. أرى أن يخلعوا حللهم، وخواتيمهم، ويلبسوا ثياب سفرهم، ففعل الوفد ذلك، ثم جاؤا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فسلموا عليه، فرد سلامهم.

وظهر من هذا أن السبب فى أنه لم يرد سلامهم أنهم جاؤا مختالين مفاخرين وأنهم يلبسون لباسا محرمة على الرجال.

وليعلمهم أنهم ليسوا داخلين على ملك فى أبهة، بل على نبى يعيش عيشة الفقراء، وأن شرفه ليس من مال وثياب، ولكن من رسالة الرحمن الرحيم، وفوق ذلك أن عدم رده يخفف من خيلائهم، ويجعلهم يعيشون كما يعيش.

وبعد أن رد سلامهم بش فى وجوههم كشأنه عند لقاء الناس، ودخلوا عليه مسجده بعد العصر، وقد صلوا متجهين إلى الشرق، فأراد بعض المسلمين منعهم، ولكن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم السمح الكريم قال للمانعين: دعوهم، فصلوا مطمئنين.

كان الوفد ستين راكبا منهم أربعة وعشرون من كبرائهم، فيهم ثلاثة لهم فضل رياسة أو شبه رياسة أولهم العاقب، وهو أميرهم، وذو الرأى فيهم، وصاحب مشورتهم لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح.

وثانيهم: السيد، وهو ممثلهم، وصاحب رحلهم ومجتمعهم.

وثالثهم: أبو حارثة بن علقمة أخو بنى بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم، وصاحب مدراسهم وإن أبا حارثة هذا قد صار ذا شرف فيهم، ودرس كتبهم وملوك الروم من النصارى قد أعلوه فيهم، أمدوه بالمال، وجعلوا له خدما، وبنوا له الكنائس، وكرموه لما بلغهم من علمه واجتهاده، ولعل ذلك ليجعلوا نجران تحت نفوذهم مع بعدهم.

وكان أبو حارثة يعظم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى جهره وغيبه، يروى أنه عندما اتجه أبو حارثة إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم كان يركب بغلة، وبجواره أخ له يركب مثلها، فعثرت بغلة أبى حارثة فقال أخوه: تعس الأبعد، يريد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. فقال له أبو حارثة:

تعست أنت، إنه والله النبى الأمى الذى كنا ننتظره، فقال له أخوه: فما يمنعك من اتباعه وأنت تعلم هذا.

قال أبو حارثة: ما صنع بنا هؤلاء القوم (الرومان) شرفونا ومولونا وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافه ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى. فأضمر عليها أخوه واسمه كرز بن علقمة، حتى أسلم بعد ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>