اختلف العلماء فى الكسوف هل فيه خطبة أم لا، فقال الشافعى، وإسحاق، والطبرى: يخطب بعد الصلاة فى الكسوف كالعيدين والاستسقاء، واحتجوا بهذا الحديث. وقال مالك والكوفيون: لا خطبة فى كسوف الشمس، واحتجوا فى ذلك بأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنما خطب الناس؛ لأنهم قالوا: إن الشمس والقمر كسفت لموت أحدهم، وهو ابن النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، فعرفهم أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وأمرهم بالصلاة والدعاء والصدقة. وقال القاضى أبو الطيب: إن قال قائل: أليس رؤية الأهلة، وحدوث الحر والبرد، وكل ما قد أجرى الله العادة بحدوثه على وتيرة واحدة آيات، فما معنى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (إنهما آيتان من آيات الله) ، وأمر بالصلاة والذكر، ولم يقل إن طلوع الشمس والقمر وحدوث الحر والبرد آية من آيات الله؟ . فالجواب: أن كل هذه الحوادث آيات الله تعالى، ودلالة على وجوده وقدمه، غير أن النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، إنما خص كسوفهما بأنهما آيتان لإخباره لهم عن ربه أن القيامة تقوم وهما منكسفان وذاهبا النور، فلما أعلمهم ذلك أمرهم عند رؤية الكسوف بالصلاة والتوبة والإقلاع والشروع فى صالح الأعمال؛ خوفًا من أن يكون الكسوف لقيام الساعة، ليعدوا لها، فهذا تأويل كونهما آيتان. قال المهلب: وكان هذا قبل أن يعلمه الله بأشراط الساعة، فإن أشراطها كثيرة، وسيأتى ذكرها فى كتاب الفتن.