منها من النعيم؛ إذ كانوا على نعيم الآخرة أحرص. وتركه (صلى الله عليه وسلم) الأكل على الخوان وأكل المرقق، فإنما فعل ذلك كأنه رفع الطيبات للحياة الدائمة فى الآخرة، ولم يرض أن يستعجل فى الدنيا الفانية شيئًا منها أخذًا منه بأفضل الدارين، وكان قد خيره الله بين أن يكون نبيًا عبدًا أو نبيًا ملكًا، فأختار عبدًا، فلزمه أن يفى الله بما اختاره، والمال إنما يرغب فيه مع مقارنة الدين ليستعان به على الآخرة، والنبى (صلى الله عليه وسلم) قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يحتج إلى المال من هذه الوجوه، وكان قد ضمن الله له رزقه بقوله:(نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه: ١٣٢] . وقول عائشة:(لقد توفى رسول الله وما فى بيتى شىء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير) هو فى معنى حديث أنس الذى قبله من الأخذ بالاقتصاد وبما يسد الجوعة، وفيه بركة النبى (صلى الله عليه وسلم) . وفيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلومًا للعلم بكيله وأن الطعام غير المكيل فيه البركة؛ لأنه غير معلوم مقداره.
- بَاب كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) ، وَأَصْحَابِهِ وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا