أسامة بن زيد عمر عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسًا يجزون كل من لم يفرق شعره. قال مالك: رأيت عامر بن عبد الله بن الزبير وربيعة بن أبى عبد الرحمن وهشام بن عروة يفرقون شعورهم، وكانت لهشام جمةّ إلى كتفيه. فإن قال قائل: قول ابن عباس (كان النبى عليه السلام يحب موافقة أهل الكتاب) يعارض قول النبى (صلى الله عليه وسلم) : (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) . فالجواب: أن حديث ابن عباس يحتمل أن يكون فى أول الإسالم فى وقت قوى فيه طمع النبى عليه السلام برجوع أهل الكتاب وإنابهم إلى الإسلام، وأحب موافقتهم على وجه التالف لهم والتأنيس، مع أن أهل الكتاب كانوا أهل شريعة، وكان المشركون لا شريعة لهم، فسدل عليه السلام ناصية، إذ كان ذلك مباحًا لأنه لم يأته نهى عن ذلك، ثم أراد الله تعالى نسخ السدل بالفرق فأمر نبيه بفرق شعره وترك موافقة أهل الكتاب والحديث يدل على صحة هذا، وهو قول ابن عباس (كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب)(وكان) إخبار عن فعل متقدم، وقوله: ثم فرق بعد إخبار عن فعل متأخر وقع منه عليه السلام بمخالفة أهل الكتاب، وهذا هو النسخ بعينه، لقوله عليه السلام (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) فأمر بمخالفتهم عامًا.