والقول الأول أَوْلى بالصواب بدليل قوله (صلى الله عليه وسلم) : (من شهد جنازة فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان) لأن قوله: (حتى تدفن) لفظ حَضّ وترغيب، لا لفظ حتم ووجوب، ألا ترى قول زيد بن ثابت: إذا صليت فقد قضيت الذى عليك.
٤٥ - بَاب مَنِ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ
/ ٦٤ - فيه: أَبُو هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ (صلى الله عليه وسلم) : (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّىَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ) ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ:(مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) . قد قلنا أن الحديث يدل على أنه لا يحتاج إلى أذن فى الانصراف من الجنازة، لأنه أخبر (صلى الله عليه وسلم) أن من شهد الصلاة فله قيراط، ومن شهد الدفن فله قيراطان. فوكله (صلى الله عليه وسلم) إلى اختياره أن يرجع بقيراط من الأجر إن أحب، أو بقيراطين، فدل على تساوى حكم انصرافه بعد الصلاة وبعد الدفن فى أنه لا إذن عليه لأحد فيه، حين رد الاختيار إليه فى ذلك، هذا مفهوم الحديث. وقد أجاز مالك وبعض أصحابه لمن شيع الجنازة أن ينصرف منها قبل أن يصلى عليها، فى سماع أشهب، قال: سألت مالكًا: هل يحمل الرجل الجنازة وينصرف ولا يصلى عليها؟ قال: لا بأس بذلك، إن شاء الله. وروى عنه ابن القاسم أنه لا ينصرف قبل الصلاة إلا لحاجة أو علَّة. قال ابن القاسم: وذلك واسع لحاجة أو غيرها، وليست بفريضة، يعنى: إذا بقى من يقوم بها. قال ابن حبيب: لا بأس أن يمشى الرجل مع الجنازة ما أحب، وينصرف عنها قبل أن يصلى عليها. قاله جابر بن عبد الله.