قال المؤلف: قد بين رسول الله منزلة الدنيا من الآخرة، بأن جعل موضع سوط من الجنة أو غدوة فى سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، وإنما أراد ثواب الغدوة أو الروحة فى الآخرة؛ لينبه أمته على هوان الدنيا عند الله تعالى وضعتها، ألا ترى أنه لم يرضها دار جزاءٍ لأوليائه ولا نقمة لأعدائه؛ بل هى كما وصفها تعالى) لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ) [الحديد: ٢٠] الآية. وقد روى الترمذى، عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل ابن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم قال: سمعت مستورد بن شداد الفهرى يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (ما الدنيا فى الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه فى اليم فلينظر بماذا يرجع) . قال: وحدثنا قتيبة، حدثنا عبد الحميد بن سليمان، عن أبى حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة) .
٣ - بَاب قَوْلِ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) : (كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ
/ ٤ - فيه: ابْنِ عُمَرَ، أَخَذَ النَّبِىّ (صلى الله عليه وسلم) بِمَنْكِبِى، وَقَالَ:(كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ، فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ، فَلا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. قال أبو الزناد: معنى هذا الحديث الحض على قلة المخالطة وقلة الاقتناء والزهد فى الدنيا. قال المؤلف: بيان ذلك أن الغريب قليل الانبساط إلى الناس؛ بل هو مستوحش منهم؛ إذ لا يكاد يمر بمن يعرفه فيأنس به، ويستكثر بخلطته فهو ذليل فى نفسه خائف، وكذلك