عليه الملل، ولا هو من صفاته، وإنما سمى المجازاة باسم الفعل، وهذا هو أعلى طبقات الكلام، وقد تقدم بيان هذا بزيادة فيه فى كتاب الإيمان فى باب: أحب الدين إلى الله أدومه، وفى آخر كتاب الصلاة فى باب: ما يكره من التشديد فى العبادة.
٤٩ - باب مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبِىِّ، عليه السلام، وَإِفْطَارِهِ
/ ٦١ - فيه: ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:(مَا صَامَ النَّبِىُّ، عليه السلام، شَهْرًا كَامِلا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لا وَاللَّهِ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ: لا وَاللَّهِ لا يَصُومُ) . / ٦٢ - وفيه: أَنَس: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَلا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَلا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلا رَأَيْتَهُ، وَلا نَائِمًا إِلا رَأَيْتَهُ. . .) الحديث. قال المهلب: فى هذه الأحاديث من الفقه أن النوافل ليس لها أوقات معلومة، وإنما يراعى فيها وقت النشاط لها والحرص عليها. وفيه أن النبى، عليه السلام، لم يلزم سرد الصيام الدهر كله، ولا سرد الصلاة الليل كله، رفقًا بنفسه وأمته لئلا يقتدى به فى ذلك فيجحف، وإن كان قد أُعطى عليه السلام من القوة فى أمر الله ما لو التزم الصعب منه لم ينقطع عنه فركب من العبادة الطريقة الوسطى، فصام وأفطر، وقام ونام، وبهذا أوصى عبد الله بن عمرو حين أراد التشديد على نفسه فى العبادة فقال:(إنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم) ، فكان إذ كبر يقول: يا ليتنى قبلت رخصة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)) .