وإنما الصابر على الحقيقة من صبر نفسه، وحبسها عن شهوتها، وقهرها عن الحزن والجزع والبكاء الذى فيه راحة النفس، وإطفاء لنار الحزن، فإذا قابل سورة الحزن وهجومه بالصبر الجميل، واسترجع عند ذلك، وأشعر نفسه أنه لله ملك، لا خروج له عن قضائه، وإليه راجع بعد الموت ويلقى حزنه بذلك، انقمعت نفسه، وذلك على الحق، فاستحقت جزيل الأجر. قال المهلب:(نعم العدلان، ونعمت العلاوة) فقيل: العدلان: الصلوات والرحمة، والعلاوة:(وأولئك هم المهتدون)[البقرة: ١٥٧] ، وقيل:(إنا لله وإنا إليه راجعون)[البقرة: ١٥٦] والعلاوة: التى يثاب عليها.
٣١ - بَاب قَوْلِ الرسول (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ الرسول: (تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ) . / ٤٥ - فيه: أَنَس، دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) عَلَى أَبِى سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لإبْرَاهِيمَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ:(يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ) ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إِلا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) . قال المؤلف: قد تقدم فى الأبواب قبل هذا بيان البكاء والحزن المباحين والمحرمين بما فيه كفاية، لكنا كرهنا أن نخلى هذا الباب من شىء من الكلام فى هذا المعنى، هذا البكاء تفسير البكاء المباح والحزن الجائز، وذلك ما كان بدمع العين ورقة النفس، ولم يكن تسخطًا