ولقد أخذت أم سليم فى الصبر إلى أبعد غاية، على أن النساء أرق أفئدة، لأننا نقول: ما فى النساء ولا فى الجلة من الرجال مثل أم سليم، لأنها كانت تسبق الكثير من الشجعان إلى الجهاد، وتحتسب فى مداواة الجرحى، وثبتت يوم حنين فى ميدان الحرب والأقدام قد زلت، والصفوف قد انقضت، والمنايا قد فغرت، فالتفت إليها الرسول وفى يدها خنجر، فقالت: يا رسول الله، اُقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل هؤلاء الذين يحاربونك، فلبسوا بشرٍ منهم.
٣٠ - بَاب الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى
وَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْعِدْلانِ، وَنِعْمَت الْعِلاوَةُ:(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة: ١٥٦] الآية، وقوله:(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[البقرة: ٤٥] . / ٤٤ - فيه: أَنَس، قَالَ (صلى الله عليه وسلم) : (الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى) . إن قيل: قد علمت أن العبد منهى عن الهُجر وتسخط قضاء الرب فى كل حال، فما وجه خصوص نزول الأولى بالصبر فى حال حدوثها؟ . قيل: وجه خصوص ذلك أن للنفس عند هجوم الحادثة محرك على الجزع، ليس فى غيرها مثله، وتلك حال يضعف عن ضبط النفس فيها كثير من الناس، ثم يصبر كل جازع بعد ذلك إلى السكون ونسيان المصيبة، والأخذ بقهر الصابر نفسه، وغلبته هواها عند صدمته إيثارًا لأمر الله على هوى نفسه، ومنجزًا لموعوده، بل السالى عن مُصابه لا يستحق اسم الصبر على الحقيقة، لأنه آثر السلو على الجزع واختاره.