وفيه من الفقه: جواز الأخذ بالشدة، وترك الرخصة لمن قدر عليها، وأن ذلك مما ينال به العبد جزيل الثواب ورفيع الأجر. قال المهلب: فى قول أم سليم: (هدأ نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح) التسلية عن المصائب بالتعريض من الكلام الذى يحتمل معنيين، فإنها أخبرت بكلام لم تكذب فيه، ولكن ورت به عن المعنى الذى كان يحزنها، ألا ترى أن نفسه قد هدأ كما قالت بالموت وانقطاع النفس، وأوهمته أنه استراح قلقُه، وإنما استراح من نصب الدنيا وهمها. وفيه: أن المرأة تتزين لزوجها تعرضًا للجماع، لقوله:(ثم هيأت شيئًا) إنما أراد هيأت شيئًا من حالها، فقال (صلى الله عليه وسلم) : (لعله أن يبارك لهما) ، فأجاب الله تعالى قوله. وفيه: أنه من ترك شيئًا لله تعالى وآثر ما ندب إليه وحض عليه من جميل الصبر أنه معوض خيرًا فيما فاته، ألا ترى قوله: فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن. قال الشيخ أبو الحسن بن القابسى: إنما حملت أم سليم حين مات الغلام بعبد الله بن أبى طلحة، والتسعة الذين قرءوا القرآن هم أولاد عبد الله هذا، وروى معمر عن ثابت، عن أنس، أنه لما جامعها قالت له: أرأيت لو أن رجلاً أعارك عارية، ثم بدا له فأخذها، أكنت تجزع؟ قال: لا، قالت: إن الله أعارك ابنك وقد أخذه، فالله أحق أن ترضى بفعله وتُسلم إليه، فغدا إلى الرسول فأخبره بقولها، فقال:(اللهم بارك لهما فى ليلتهما) ، فولدت غلامًا كان اسمه عبد الله، وكان من خير أهل زمانه.