وأما قول الكفار: كيف يكون فى النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فإن هذه الشجرة التى أخبر الله أنها فى أصل الجحيم هى مخلوقة من جوهر لا تأكله النار كسلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها، وليس شىء من ذلك من جنس ما فى الدنيا مما لا يبقى على النار، وإنما خلقت من جنس لا تأكله النار، وكما خلق الله فى البحار من الحيوان ما لا يهلك فى الماء، وخلق فى الخل دودًا يعيش فيه ولا يهلكه، على أن الخل يفت الحجارة ويهرى الأجسام، ولم يكن ذلك إلا لموافقة ذلك الدود لجنس الخل وموافقة حيوان البحر جنس الماء، فكذلك ما خلق فى النار من الشجر والحيوان موافق لجنس النار، والله تعالى قادر أن يجعل النار بردًا وسلامًا، وأن يجعل الماء نارًا؛ لأنه على كل شىء قدير، فما أنكره الكفار من خلق الشجر فى النار عناد بين، وضلال واضح، أعاذنا الله من الضلال برحمته.
- باب محاجة آدَمُ مُوسَى
/ ١٩ - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِيّ - عليه السلام -: (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا، خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِى عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِى بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، قاله ثَلاثًا) . قال المؤلف: معنى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (احتج آدم وموسى) : أى التقت أرواحهما فى السماء، فوقع هذا الحجاج بينهما، وقد جاءت الرواية بذلك.