قال غيره: وقوله: (المدينة كالكير) إنما هو تمثيل منه وتنظير، ففيه دليل على جواز القياس بين الشيئين إذا اشتبها فى المعنى، فشبه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة فى نفيها مَنْ خبث قلبه بالكير الذى ينفى خبث الحديد حتى يصفو، وقوله:(ينصع طَيِّبُها) هو مثل ضربه للمؤمن المخلص الساكن فيها، الصابر على لأوائها وشدتها مع فراق الأهل والمال والتزام المخافة من العدو، فلما باع نفسه من الله والتزم هذا بأن صدقُه، ونصع إيمانه وقوى؛ لاغتباطه بسكنى المدينة وتقربه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما ينصع ريح الطيب فيها ويزيد عبقًا على سائر البلاد، خصوصية خص الله بها بلدة رسوله (صلى الله عليه وسلم) التى اختار تربتها لمباشرة جسده الطيب المطهر (صلى الله عليه وسلم) ، وقد جاء فى الحديث أن المؤمن يقبر فى التربة التى خلق منها، فكانت بهذا تربة المدينة أفضل الترب كما هو (صلى الله عليه وسلم) أفضل البشر؛ فلهذا والله أعلم تتضاعف ريح الطيب فيها على سائر البلاد.
٠ - بَاب
/ ٢٩١ - فيه: أَنَس، قَالَ النَّبِىّ، عليه السَّلام:(اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَىْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ) . وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ، أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا. استدل بعض الناس على أن المدينة أفضل من مكة بدعاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) للمدينة بضعف دعائه لمكة وقال آخرون ممن يرى أن مكة أفضل من المدينة: لو كان تضعيف الدعاء للمدينة دليلا على فضلها على مكة، لكانت الشام واليمن أفضل من مكة؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد كرر الدعاء للشام واليمن مرات، وهذا لا يقوله مسلم، روى ابن عمر: أن