على التدبر، ونفسه أخلى وأنشط من نفس القارئ؛ لأنه فى شغل بالقراءة وأحكامها. فإن قيل: فقد يجوز أن يكون سماعه (صلى الله عليه وسلم) للقرآن من غيره كما قلت، فما وجه قراءته (صلى الله عليه وسلم) القرآن على أبى، وقد ذكره البخارى فى فضائل الصحابة فى فضائل أبىّ. قيل: يحتمل أن يكون وجه ذلك ليتلقنه أبى من فيه (صلى الله عليه وسلم) ، فلا يتخالجه شك فى اختلاف القراءات بعده، وذلك أنه خاف عليه الفتنة فى هذا الباب؛ لأنه لا يجوز أن يكون أحد أقرأ للقرآن من النبى (صلى الله عليه وسلم) ، ولا أوعى له وأعلم به؛ لأنه نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربى مبين، قاله الخطابى، وقال أبو بكر بن الطيب نحوه، قال: قرأ النبى على أبىّ وهو أعلم بالقرآن منه وأحفظ؛ ليأخذ أبىّ نمط قراءته وسنته ويحتذى حذوه. وقد روى هذا التأويل عن أبىّ وابنه.
٣٢ - باب قَوْلِ الْمُقْرِئِ لِلْقَارِئِ حَسْبُكَ
/ ٦٢ - فيه: عَبْدِ اللَّه، قال لِى النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) : (اقْرَأْ عَلَىَّ) ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ:(نَعَمْ) ، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ:(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا)[النساء: ٤١] قَالَ: (حَسْبُكَ الآنَ) ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. قال المؤلف: فى جواز قطع القراءة على القارئ إذا حدث على المقرئ عذر أو شغل بال؛ لأن القراءة على نشاط المقرئ أولى ليتدبر معانى القرآن ويتفهم عجائبه، ويحتمل أن يكون أمره (صلى الله عليه وسلم) بقطع القراءة تنبيهًا له على الموعظة والاعتبار فى قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ)[النساء: ٤١] الآية. ألا ترى أنه (صلى الله عليه وسلم) بكى عندها، وبكاؤه