وكان لها منع ابن الزبير دخول منزلها، وليس من الهجرة المنهى عنها، كما لو كانت فى بلدة وهو فى أخرى لا يتلتقيان لم يكن ذلك من الهجرة التى يأثمان بتركهما الاجتماع، وإن مرت أعوام كثيرة، ولم يكونا يجتماعان فيعرض أحدهما عن صاحبه. ويبين صحة ماقلناه قوله فى حديث أبى أيوى:(لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا) ، فأخبر عليه السلام بسبب حظر الله تعالى هجرة المسلم أخاه إنما ذلك من أجل تضييعهما ماأوجب الله عليهما عن تلاقيهما فإذا لم يلتقيا فيفرط كل واحد منهما فى واجب أخيه عليه، وذلك بعيد من معنى الهجرة. وقد تأول غير الطبرى فى هجرة عائشة لابن الزبير وجهًا آخر فقال: إنما ساغ لعائشة ذلك؛ لأنها أم المؤمنين وواجب توقيرها وبرها لجميع المؤمنين، وتنقصها كالعقوق لها فهجرت ابن الزبير أدبًا له، ألا ترى أنه لما نزع عن قوله، وندم عليه وتشفع اليها رجعت إلى مكالمته وكفرت يمينها، وهذا من باب إباحة هجران من عصى والإعراض عنه حتى يفىء إلى الواجب عليه.
[٦٠ - باب ما يجوز من الهجران لمن عصى]
وَقَالَ كَعْبٌ حِينَ تَخَلَّفَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : وَنَهَى الرسول (صلى الله عليه وسلم) الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. / ٩٦ - فيه: عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِىّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (إِنِّى لأعْرِفُ غَضَبَكِ