ادّعى أن له قدرة على نفع نفسه، أو دفع الضر عنها، فقد ادّعى أن فيه صفة الإلهية من القدرة. وفى حديث عمرو بن تغلب دليل أن أرزاق العباد ليست من الله تعالى على قدر الاستحقاق بالدرجة والرفعة عنده، ولا عند السلطان فى الدنيا، وإنما هى على وجه المصلحة، والسياسة لنفوس العباد الأمارة بالسوء، ألا ترى أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يعطى أقوامًا؛ ليداوى ما بقلوبهم من جزع، وكذلك المنع، هو على وجه الثقة بتميزه بما قسم الله له لمنعه (صلى الله عليه وسلم) أهل البصائر واليقين. قال غيره: وفيه من الفقه أن البشر فاضلهم ومفضولهم، قد جبلوا على حب العطاء، وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة فى عاقبته، وهل لفاعل ذلك مخرج؟ وفيه أن المنع قد لا يكون مذمومًا، ويكون أفضل للممنوع لقوله (صلى الله عليه وسلم) : (وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جعل فى قلوبهم من الغنى والخير) . وهذه المنزلة التى شهد لهم بها النبى (صلى الله عليه وسلم) أفضل من العطاء الذى هو عرض الدنيا، ألا ترى أن عمرو بن تغلب اغتبط بذلك بعد جزعه منه، وقال:(ما أحب أن لى ذلك حمر النعم) وفيه استئلاف من يخشى منه، والاعتذار إلى من ظن ظنًا والأمر بخلاف ظنه، وهذا موضع كان يحتمل التأنيب للظان، واللوم له لكنه (صلى الله عليه وسلم) رءوف رحيم كما وصفه الله.
٥١ - بَاب ذِكْرِ النَّبِيِّ - عليه السلام - وَرِوَايَتِهِ عَنْ رَبِّهِ
/ ١٥١ - فيه: أَنَس، عَنِ النَّبِيِّ - عليه السلام - يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ: (إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ