فقه هذا الحديث أنه يجب على المؤمن رد الأمور كلها إلى الله، وصرف أزمتها والتبرؤ من الحول والقوة إليه، وينبغى له أن لا يروم شيئًا من دقيق الأمور وجليلها، حتى يستخير الله فيه ويسأله أن يحمله فيه على الخير ويصرف عنه الشر؛ إذعانًا بالافتقار إليه فى كل أمر والتزامًا لذلة العبودية له، وتبركًا باتباع سُنّة نبيّه (صلى الله عليه وسلم) فى الاستخارة، ولذلك كان النبى (صلى الله عليه وسلم) يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن لشدة حاجتهم إلى الاستخارة فى الحالات كلها كشدّة حاجتهم إلى القراءة فى كل الصلوات، وفى هذا الحديث حجة على القدرية الذين يزعمون أن الله تعالى لا يخلق الشر، تعالى الله عما يفترون، وقد أبان النبى (صلى الله عليه وسلم) فى هذا الحديث أن الله تعالى هو المالك للشر والخالق له؛ إذ هو المدعو لصرفه عن العبد، ومحال أن يسأله العبد أن يصرف عنه ما يملكه العبد من نفسه، وما يقدر على اختراعه دون تقدير الله عليه، وسيأتى فى كتاب القدر.
٣٧ - بَاب الْوُضُوءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ
/ ٦٠ - فيه: أَبُو مُوسَى، قَالَ:(دَعَا النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِى عَامِرٍ) ، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ:(اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ) . قال المؤلف: فيه استعمال الوضوء عند الدعاء، وعند ذكر الله، وذلك من كمال أحوال الداعى والذاكر، ومما يرجى له به الإجابة لتعظيمه لله تعالى وتنزيهه له حين لم يذكره إلا على طهارة،