أحدهما: أن صلاة الخوف لم تكن نزلت بعد، وفى الآية بها إباحة الصلاة على حسب القدرة والإمكان، وفى هذا الوقت لم يكن مباح لهم الإتيان بها إلا على أكمل أوصافها؛ فلذلك شغلوا عنها بالقتال، وهذا الشغل كان شديدًا عليهم حتى لا يمكن أحد منهم أن يشتغل بغير المدافعة والمقاتلة. والمعنى الآخر: أن يكونوا على غير وضوء؛ فلذلك لم يمكنهم ترك القتال لطلب الماء وتناول الوضوء؛ لأن الله لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، وأما دعاؤه (صلى الله عليه وسلم) على قوم ودعاؤه لآخرين بالتوبة؛ فإنما كان على حسب ما كانت ذنوبهم فى نفسه (صلى الله عليه وسلم) ، فكان يدعو على من اشتد أذاه للمسلمين وكان يدعو لمن يرجى نزوعه ورجوعه إليهم كما دعا لدوس حين قيل له: إن دوسًا قد عصت وأبت ولم تكن لهم نكاية ولا أذى، فقال:(اللهم اهد دوسًا وائت بهم) وأما هؤلاء فدعا عليهم لقتلهم المسلمين، فأجيبت دعوته فيهم، وقد تقدم هذا المعنى فى أول كتاب الاستسقاء، وسيأتى أيضًا فى كتاب الدعاء باب:(الدعاء على المشركين) مستقصى فيه القول إن شاء الله.
[٩٢ - باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟]
٧٧٦ / فيه: ابْن عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِىّ، (صلى الله عليه وسلم) ، كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ:(فَإِنْ تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأرِيسِيِّينَ) . قال المؤلف: إرشاد أهل الكتاب ودعاؤهم إلى الإسلام على الإمام، وأما تعليمهم الكتاب فاستدل الكوفيون على جوازه بكتابة النبى إليهم آية من كتاب الله بالعربية، فعلمهم كيف حروف العربية وكيف تأليفها وكيف إيصال ما اتصال من الحروف، وانقطاع ما انقطع منها