قال المهلب: وقوله: (اذكر كذا لِمَا لم يكن يذكر) ليسهيه عن صلاته. فيه من الفقه: أن من نسى شيئًا وأراد أن يتذكره فليصل ويجهد نفسه فيها من تخليص الوسوسة وأمور الدنيا، فإن الشيطان لابد أن يحاول تسهيته وإذكاره أمور الدنيا؛ ليصده عن إخلاص نيته فى الصلاة. وقد روى عن أبى حنيفة: أن رجلاً دفن مالاً، ثم غاب عنه سنين كثيرة، ثم قدم فطلبه فلم يهتد لمكانه، فقصد أبا حنيفة فأعلمه بما دار له فقال له: صل فى جوف الليل وأخلص نيتك لله تعالى، ولا تجد على قلبك شيئًا من أمور الدنيا، ثم عرفنى بأمرك، ففعل فذكر فى الصلاة مكان المال، فلما أصبح أتى أبا حنيفة فأعلمه بذلك، فقال بعض جلسائه: من أين دللته على هذا، يرحمك الله؟ فقال: استدللت من هذا الحديث وعلمت أن الشيطان سيرضى أن يذكره موضع ماله ويمنعه الإخلاص فى صلاته، فعجب الناس من حسن انتزاعه واستدلاله.
٥ - باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا، وَإِلا فَاعْتَزِلْنَا. / ٧ - فيه: أَبو سَعِيدٍ أَنَّ الرَسُول (صلى الله عليه وسلم) قَالَ لَه: (إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ إِلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وفيه: أن الشغل بالبادية واتخاذ الغنم من فعل السلف الصالح الذى ينبغى لنا الاقتداء بهم، وإن كان فى ذلك ترك للجماعات ففيه عزلة عن الناس، وبُعد عن فتن الدنيا وزخرفها، وقد جاء أن الاعتزال