ليس من شرط الوقف أن يكون للفقراء والمسّاكين خاصة، ألا ترى أن عمر شرط فى وقفه مع الفقراء والمساكين ذا القربى والضيف، وقد يكون فيهم أغنياء، وكذلك قال النبى (صلى الله عليه وسلم) لأبى طلحة: (إنى أرى أن تجعلها فى الأقربين) ، فجعلها لحسان بن ثابت، وأبىّ بن كعب، ولم يكونوا فقراء، ولم يحرم الله على الأغنياء من الصدقات إلا الزكاة وصدقة الفطر خاصة، وأحل لهم الفئ والجزية وصدقات التطوع كلها، فجائز للموقف أن يجعل وقفه فيمن شاء من أصناف الناس، أغنياء كانوا أو فقراء، أو قرباء كانوا أو بعداء له، شرطه فى ذلك. وهذا لا خلاف فيه.
- باب وَقْفِ الأرْضِ لِلْمَسْجِدِ
/ ٣٢ - فيه: أَنَسُ لَمَّا قَدِمَ النبى (صلى الله عليه وسلم) الْمَدِينَةَ، أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: يَا بَنِى النَّجَّارِ، ثَامِنُونِى بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لا، وَاللَّهِ لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلَى اللَّهِ) . وترجم له باب إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. فى هذا الحديث حجة على أبى حنيفة فى إبطاله الأوقاف والأحباس؛ لأن الأمة مجمعة أن من جعل أرضًا له مسجدًا للمسلمين فى صحته أنه ليس لورثته ردها ميراثًا بينهم. وقال أبو حنيفة فى الرجل يحبس داره على المساكين يسكنونها: أنها ترجع ميراثًا بين ورثته، ويجيز ذلك إن فعله فى مرضه أو فى وصيته، ويكون فى ثلثه فإن قال: إن المسجد لا يجوز له ولا لورثته الرجوع فيه بعد أن أخرجه فى صحته وجعله مسجدًا لجماعة المسلمين؛ قيل له: فما الفرق بين ما جعل من ذلك مسجدًا وبين ما جعله سقاية أو مقبرة أو موقفًا