أعمارهم، وجعل جزاءهم على ذلك خلودًا دائمًا فى جنات لا انقضاء لها مع ما ذخر لمن أطاعه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فمن أنعم النظر فى هذا كان حريًا ألا يذهب عنه وقت من صحته وفراغه إلا وينفقه فى طاعة ربه، ويشكره على عظيم مواهبه والاعتراف بالتقصير عن بلوغ كنه تأدية ذلك، فمن لم يكن هكذا وغفل وسها عن التزام ما ذكرنا، ومرت أيامه عنه فى سهو ولهو وعجز عن القيام بما لزمه لربه تعالى فقد غبن أيامه، وسوف يندم حيث لا ينفعه الندم، وقد روى الترمذى من حديث ابن المبارك، عن يحيى بن عبيد الله بن موهب، عن أبيه، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (ما من أحد يموت إلا ندم، قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إن كان محسنًا ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ندم ألا يكون نزع) . وأما قوله:(اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) . فإنه نبه بذلك أمته على تصغير شأن الدنيا وتقليلها، وكدر لذاتها وسرعة فنائها، وما كان هكذا فلا معنى للشغل به عن العيش الدائم الذى لا كدر فى لذاته، بل فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.