البيوت، إذ السِّرُّ فى النوافل أفضل من الإعلان، وعلى هذا التأويل تكون (مِن) زائدة كأنه قال: اجعلوا صلاتكم النافلة فى بيوتكم، كقوله: ما جاءنى من أحدٍ، وأنت تريد ما جاءنى أحدٌ، وإلى هذا الوجه أشار البخارى، وقد روى ما يدل عليه عن النبى، (صلى الله عليه وسلم) . روى الطبرى من حديث عبد الرحمن بن سابط، عن أبيه، عن النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، قال:(نَوِّرُوا بيوتكم بذكر الله، وأكثروا فيها تلاوة القرآن، ولا تتخذوها قبورًا كما اتخذها اليهود والنصارى، فإن البيت الذى يقرأ فيه القرآن يتسع على أهله، ويكثر خيره، وتحضره الملائكة، ويُدحض عنه الشيطان، وإن البيت الذى لا يقرأ فيه القرآن يضيق على أهله، ويقل خيره، وتنفر عنه الملائكة، وتحضره الشياطين) . وقد روى عن جماعة من السلف أنهم كانوا لا يتطوعون فى المسجد، روى ذلك عن حذيفة، وعن السائب بن يزيد، والنخعى، والربيع بن خثيم، وعبيدة، وسويد بن غفلة. وقال آخرون: هذا الحديث إنما ورد فى الفريضة، و (مِنْ) للتبعيض، كأنه قال: اجعلوا بعض صلاتكم المكتوبة فى بيوتكم ليقتدى بكم أهلوكم، ومن لا يخرج إلى المسجد منهم، ومن يلزمكم تعليمه لقوله تعالى:(قوا أنفسكم وأهليكم نارًا)[التحريم: ٦] ومن تخلف عن جماعة لجماعة، وإن كانت أقل منها فلم يتخلف عنها، ومن صلى فى بيته جماعة فقد أصاب سُنَّة الجماعة وفضلها. روى حماد، عن إبراهيم قال: إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة، لهما التضعيف خمسًا وعشرين درجة. وروى أن أحمد بن حنبل، وإسحاق، وعلى بن المدينى، اجتمعوا فى دار أحمد فسمعوا النداء، فقال أحدهم: