من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) ، فإن العلماء اختلفوا فى تفضيل مكة على المدينة، أو المدينة على مكة، فذهبت طائفة إلى أن المدينة أفضل من مكة، روى هذا عن عمر بن الخطاب، وهو قول مالك، وكثير من أهل المدينة. وذهبت طائفة إلى تفضيل مكة، هذا قول عطاء، والمكيين، وأهل الكوفة، والشافعى. وقال الشافعى: مكة أفضل البقاع. ذكره الساجى، وهو قول ابن وهب صاحب مالك، وابن حبيب الأندلسى، وكلا الطائفتين نزعت بحديث أبى هريرة. قال المؤلف: وليس فى حديث أبى هريرة حجة لواحدٍ منهما، وإنما يفهم من لفظ حديث أبى هريرة أن صلاة فى مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، ثم استثنى المسجد الحرام، وحكم الاستثناء عند أهل اللسان إخراج الشىء مما دخل فيه هو وغيره بلفظ شامل لهما، وإدخاله فيما خرج منه هو وغيره بلفظ شامل لهما. وقد مثل بعض أهل العلم بلسان العرب الاستثناء فى هذا الحديث بمثالٍ بَيَّن فيه معناه، فإذا قلت: اليمن أفضل من جميع البلاد بألف درجة إلا العراق، جاز أن يكون العراق مساويًا لليمن، وجاز أن يكون فاضلاً وأن يكون مفضولاً، فإن كان مساويًا فقد عُلم فضله، وإن كان فاضلاً أو مفضولاً لم يقدر مقدار المفاضلة بينهما إلا بدليل على عدة درجات، إما زائدة على ذلك، أو ناقصة عنها فيحتاج إلى ذكرها. ومما احتج به أهل المقالة الأولى على ذلك ما رواه ابن عيينة، عن زياد بن سعد، سمع سليمان بن عتيق، سمع ابن الزبير، سمع عمر بن الخطاب، يقول: صلاة فى المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه. قال أبو عبد الله بن أبى صفرة: فقول عمر هذا يفسر قول النبى، (صلى الله عليه وسلم) : (صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) . فإن مسجدى خير من تسع مائة منه. ومثل هذا التأويل تأول عبد الله بن نافع صاحب مالك حديث أبى هريرة، فكان يقول: الصلاة فى مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أفضل من الصلاة فى سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة فى مسجد النبى (صلى الله عليه وسلم) أفضل من الصلاة فيه بدون الألف. واحتج أهل المقالة الثانية بما رواه حماد بن زيد، عن حبيب المعلم، عن عطاء بن أبى رباح، عن عبد الله بن الزبير، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (صلاة فى المسجد الحرام أفضل من الصلاة فى مسجدى هذا بمائة صلاة) .