وُعِدْتُهُ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ، حِينَ رَأَيْتُمُونِى جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حِينَ رَأَيْتُمُونِى تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَىٍّ، وَهُوَ الَّذِى سَيَّبَ السَّوَائِبَ) . لا خلاف بين الفقهاء أنه من أفلتت دابته وهو فى الصلاة أنه يقطع الصلاة ويتبعها، وقال مالك فى المختصر: من خشى على دابته الهلاك، أو على صبى رآه فى الموت فليقطع صلاته. وروى عنه ابن القاسم فى مسافر انفلتت دابته وخاف عليها، أو على صبى، أو أعمى أن يقع فى بئر أو نار، أو ذكر متاعًا يخاف أن يتلف، فذلك عذر يبيح له أن يستخلف ولا يفسد على من خلفه شيئًا. وقول أبى برزة للذى أنكر عليه قطع الصلاة واتباع دابته:(شهدت تيسير النبى، (صلى الله عليه وسلم)) ، يعنى تيسيره على أمته فى الصلاة وغيرها، ولا يجوز أن يفعل هذا أبو برزة من رأيه دون أن يشاهده من النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، قوله:(وإنى إن كنت أرجع مع دابتى أحب إلىّ) إلى آخر قوله، أخبر أن قطعه للصلاة واتباعه لدابته أفضل من تركها، وإن رجعت إلى مكان علفها، وموضعها فى داره، فكيف إن خشى عليها أنها لا ترجع إلى داره، فهذا أشد لقطعه للصلاة واتباعه لها. ففى هذا حجة للفقهاء فى أن كل ما خشى تلفه من متاع، أو مال، أو غير ذلك من جميع ما بالناس الحاجة إليه أنه يجوز قطع الصلاة وطلبه، وذلك فى معنى قطع الصلاة لهرب الدابة. وأما قوله (صلى الله عليه وسلم) فى حديث عائشة: (لقد رأيت أريد أن آخذ قطفًا حين رأيتمونى جعلت أتقدم) ، فهذا المشى عمل فى الصلاة، وكذلك (حين رأيتمونى تأخرت) عمل أيضًا، إلا أنه ليس فيه قطع للصلاة، ولا استدبار للقبلة، ولا مشى كثير مثل ما يمشى من انفلتت