سنة الجاهلية حرام قد نسخه الإسلام، ألا ترى أن النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، كان يشترط على النساء فى بيعة الإسلام ألا ينحن تأكيدًا للنهى عنه، وتحذيرًا منه. وفيه: أنه من نُهى عما لا ينبغى له فعله ولم ينته، أنه يجب أن يؤدب على ذلك ويزجر، ألا ترى قوله (صلى الله عليه وسلم) للرجل: (فاحث فى أفواههن التراب) ، حين انصرف إليه المرة الثالثة، وقال: إنهن غلبننا، وهذا يدل أن بكاء نساء جعفر، وزيد الذى نهين عنه لم يكن من النوح المحرم، لأنه لو كان من النوح المحرم لزجرهن حتى ينتهين عنه، لأن الله فرض عليه التبليغ والبيان، ولا يؤمن على النساء عند بكائهن الهائج لهن أن يضعف غيرهن، فيصلن به نوحًا محرمًا، فلذلك نهاهن (صلى الله عليه وسلم) قطعًا للذريعة. وفيه من الفقه: أن للعالم أن ينهى عن المباح إذا اتصل به فعل محذور، أو خيف مواقعته، لأن الراتع حول الحمى يوشك أن يواقعه، وهذا الحديث يدل أن قوله (صلى الله عليه وسلم) فى حديث (الموطأ) ، حين دخل الرسول على عبد الله بن الربيع يعوده، فصاح به فلم يجبه، فاسترجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وقال:(غلبنا عليك أبا الربيع) ، فصاح النسوة وبكين، فجعل جابر يسكتهن، فقال رسول الله:(دعهن، فإذا وجبت فلا تبكين باكية) ، والوجوب: الموت. فدل أن هذا الحديث على الندب لا على الإيجاب، لأنه لو كان ترك البكاء عليه فرضًا بعد موته لما جاز لنساء جعفر أن يبكين بعد موته، ولوجب أن يقتصرن على السكوت، فلما اعترضت عائشة لرسول الله حين قالت له: والله ما أنت بفاعل. ومثله قوله (صلى الله عليه وسلم) : (لكن حمزة لا بواكى له) ، فدل على جواز البكاء على الميت بعد موته.