حق، وهو مذهب أهل السُّنَّة، وسيأتى الكلام فيه فى بابه، إن شاء الله. وأما قوله:(يسمعها من يليه) فالذى يليه هم الملائكة الذين يلون فتنته ومسألته فى قبره، والثقلان: الجن والإنس منعهم الله سماع صيحته إذا دفن فى قبره. فإن قال قائل: الجن من الثقلين، وقد منعهم الله سماع هذه الصيحة، ولم يمنعهم سماع كلام الميت إذا حمل، وقال: قدمونى قدمونى، فما الفرق بين ذلك؟ قيل: إن كلام الميت حين يحمل إلى قبره هو فى حكم الدنيا، وليس فيه شىء من الجزاء والعقوبة، لأن الجزاء لا يكون إلا فى الآخرة، وإنما كلامه اعتبار لمن سمعه وموعظة، فأسمعها الله الجن، لأنه جعل فيهم قوة يثبتون بها عند سماعه، ولا يضعفون بخلاف الإنسان الذى كان يصعق لو سمعه، وصيحة الميت فى القبر عند فتنته هى عقوبة وجزاء، فدخلت فى حكم الآخرة، فمنع الله الثقلين، اللذين هما فى دار الدنيا، سماعَ عقوبته وجوابه فى الآخرة، وأسمعه سائر خلقه. وقوله:(لا دريت ولا تليت) الأصل فيه تلوت، فردوه إلى الياء ليزدوج الكلام، هذا قول ثعلب. وقال ابن السكيت:(تليت) هاهنا اتباع ولا معنى لها. وقال ابن الأنبارى: إنما قيل للجن والإنس: الثقلان، لأنهما كالثقل للأرض وعليها، والثقل بمعنى الثقيل، وجمعها: أثقال، ومجراهما مجرى قول العرب مِثْل وَمثيل، وشبه وشبيه، وكانت العرب تقول للرجل الشجاع: ثقل على الأرض، فإذا مات أو قتل: سقط ذلك عنها. قالت الخنساء ترثى أخاها: أبعد ابن عمرو من الربذة حلت بها الأرض أثقالها