وقد عارض حديث ابن عباس، وابن الزبير، ما روى أسامة بن زيد، عن الزهرى، عن ابن عباس، (أن النبى لم يصل على أحد من قتلى أُحُد غير حمزة) . فصار مخصوصًا بذلك، لأنه وجده فى القتلى قد جرح ومُثل به، فقال:(لولا أن تجزع عليه صفية لتركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع) ، فكفنه فى نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه، وإذا خمر رجليه بدا رأسه، ولم يصل على أحد غيره، وقال:(أنا شهيد عليكم اليوم) . ويشهد لهذا المعنى حديث جابر، وهذا أولى ما قيل به فى هذا الباب، لأنه أصح من الأحاديث المعارضة له، وقول سعيد بن المسيب، والحسن مخالف للآثار، فلا وجه له. واختلف الفقهاء إذا جرح فى المعركة، ثم عاش بعد ذلك، أو قتل ظلمًا بحديدة، أو غيرها فعاش، فقال مالك: يغسل ويصلى عليه. وبه قال الشافعى. وقال أبو حنيفة: إن قتل ظلمًا فى المصر بحديدة لم يغسل، وإن قتل بغير الحديدة غسل. وحجة مالك ما رواه نافع، عن ابن عمر، أن عمر غُسل وصلى عليه، لأنه عاش بعد طعنته وكان شهيدًا. قال ابن القصار: ولم ينكر هذا أحد من الصحابة. قال: وكذلك جرح علىّ بن أبى طالب، فعاش ثم مات من ذلك، فغسل وصلى عليه، ولم ينكره أحد. قال الطبرى: وفيه من الفقه أن الموت إذا كثر فى موضع بطاعون أو غيره، أو كثر القتل فى معركة حتى تعظم المؤنة فى حفر قبر لكل رجل منهم، أن تدفن الجماعة منهم فى حفرة واحدة، كالذى فعل (صلى الله عليه وسلم) فى جمع مشركى بدر فى قليب واحد، وهم سبعون رجلاً. واختلفوا فى دفن الاثنين والثلاثة فى قبر، فكره ذلك الحسن البصرى، وأجازه غير واحد من أهل العلم، فقالوا: لا بأس أن يدفن الرجل والمرأة فى القبر الواحد، وهو قول مالك، وأبى حنيفة، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، غير أن الشافعى وأحمد، قالوا ذلك فى موضع