يحتمل وجوهًا فى التأويل: أحدها: أن يكون ظن (صلى الله عليه وسلم) أن عمه اعتقد أن من آمن فى مثل حاله لا ينفعه إيمانه، إذ لم يقارنه عمل سواه من صلاة وصيام وزكاة وحج وشرائط الإسلام كلها، فأعلمه (صلى الله عليه وسلم) أن من قال: لا إله إلا الله، عند موته أنه يدخل فى جملة المؤمنين، وإن تعرى من عمل سواها. ويحتمل وجهًا آخر، وهو أن يكون أبو طالب قد عاين أمر الآخرة، وأيقن بالموت، وصار فى حالة من لا ينتفع بالإيمان لو آمن، وهو الوقت الذى قال فيه: أنا على ملة عبد المطلب عند خروج نفسه، فرجا له (صلى الله عليه وسلم) إن قال: لا إله إلا الله، وأيقن بنبوته أن يشفع له بذلك، ويحاج له عند الله فى أن يتجاوز عنه، ويتقبل منه إيمانه فى تلك الحال، ويكون ذلك خاصًا لأبى طالب وحده لمكانه من الحماية والمدافعة عن النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، وقد روى مثل هذا المعنى عن ابن عباس. قال المؤلف: ألا ترى أنه (صلى الله عليه وسلم) قد نفعه وإن كان مات على غير الإسلام، لأنه يكون أخف أهل النار عذابًا، فنفعه له لو شهد بشهادة التوحيد، وإن كان ذلك عند المعاينة، أحرى بأن يكون، ويحتمل وجهًا آخر، وهو أن أبا طالب كان ممن عاين براهين النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، وصدق معجزاته، ولم يشك فى صحة نبوته، وإن كان ممن حملته الأنفة وحمية الجاهلية على تكذيب النبى. وكان سائر المشركين ينظرون إلى رؤسائهم ويتبعون ما يقولون، فاستحق أبو طالب ونظراؤه على ذلك من عظيم الوزر وكبير الإثم أن باءوا بإثمهم على تكذيب النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، فرجا له (صلى الله عليه وسلم) المحاجة بكلمة الإخلاص عند الله، حتى يسقط عنه إثم العناد والتكذيب لما قد تبين حقيقته وإثم من اقتدى به فى ذلك، وإن كان الإسلام يهدم ما قبله لكن آنسه بقوله:(أحاج لك بها عند الله) لئلا