مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التى لا تصل بخلقتها إلى معرفة، واحتجوا على أن الفطرة: الخلقة بقوله تعالى: (فاطر السموات والأرض)[الأنعام: ١٤] يعنى خالقهن، وبقوله:(وما لى لا أعبد الذى فطرنى)[يس: ٢٢] أى خلقنى، وقال: المراد بقوله: (فطرت الله التى فطر الناس عليها)[الروم: ٣٠] الخلقة، بدليل قوله:(لا تبديل لخلق الله)[الروم: ٣٠] يعنى لا تبديل لخلقته عما خلقه عليه. وقد ثبت عن الرسول قال:(لما خلق الله آدم مسح ظهره بيمينه، وكلتا يديه يمين، ثم قال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح الأخرى، وقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون) ، فلما صح عندنا هذا الحديث مع تصديق الله له بقوله:(وإذ أخذ ربك من بنى آدم (إلى) بلى) [الأعراف: ١٧٢] علمنا أن أخذه لهم من ظهر آدم إنما كان للإشهاد عليهم، وكان هذا الأخذ هو الاختراع الأول فى إخراجهم من العدم إلى الوجود، ثم ردهم فى ظهور آبائهم على ما جاء فى الخبر. فبان أن هذه الفطرة هى الخلقة الأولى التى فطر الناس عليها لا تبديل لها، وقد جاء فى الأخبار أنه حين أشهدهم على أنفسهم أو جميعهم على أنفسهم بالعبودية ولله تعالى بالربوبية، لكنه كان إقرار أصحاب اليمين بألسنتهم، وقلوبهم ليتم علم الله بهم، ومراده فيهم، وإقرار الآخرين بألسنتهم دون قلوبهم خذلانًا من الله ليتم مراده، وعلمه فيهم أنهم من أهل النار. فإذا صاروا فى بطون أمهاتهم ظهر فيهم بعض علم الله السابق