حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ، حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ، يُوَافِقُ رَأْىَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ الرسول، وَأَنَّهُ نَبِىٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِى دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِى الْفَلاحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِىَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَىَّ، وَقَالَ: إِنِّى قُلْتُ مَقَالَتِى آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ، وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ. قال المهلب: وقوله: تمت فى المدة التى مادَّ فيها رسول الله أبا سفيان وكفار قريش -، فإن أهل السير ذكروا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) صالح أهل مكة سنة ست، عام الحديبة، عشر سنين، ثم إن أهل مكة نقضوا العهد الذى كان بينهم وبين الرسول بقتالهم خزاعة حلفاء النبى (صلى الله عليه وسلم) ، ثم سألو أبا سفيان أن يجدد لهم العهد، فامتنع النبى (صلى الله عليه وسلم) من ذلك، فأنزل الله تعالى:(أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)[التوبة: ١٣] بعد أن قال تعالى: (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ)[التوبة: ١٢] فأوجب قتالهم حين نكثوا أيمانهم. وغير جائز أن يترك النبى (صلى الله عليه وسلم) ما أمر به من قتالهم بعد قوله: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ)[التوبة: ١٤، ١٥] فأمر بقتالهم وأخبر بما يكون من النصر والتشفى خبرًا لا يجوز أن ينقلب.