قال المهلب: كان هذا القول منه (صلى الله عليه وسلم) قبل فتح مكة، لأنه لو كان بعده لقال له: لا هجرة بعد الفتح، ولكنه (صلى الله عليه وسلم) علم أن الأعراب قلما تصبر على المدينة لشدتها ولأوائها ووبائها، ألا ترى قلة صبر الأعرابى الذى استقاله بيعته حين مسته حُمّى المدينة، فقال للذى سأله عن الهجرة: إذا أديت الزكاة، التى هى أكبر شىء على الأعراب، ثم منحت منها وجبتها يوم ردها من ينتظرها من المساكين، فقد أديت المعروف، من حقوقها فرضًا وفضلاً، فاعمل من وراء البحار، فهو أقل لفتنتك كما افتتن المستقيل للبيعة، لأنه قد شرط عليه ما يخشى من منع العرب الزكاة التى بها افتتنوا بعد النبى، (صلى الله عليه وسلم) . وقد ذكر البخارى هذا الحديث فى كتاب الهبات فى باب المنحة، فقال فيه:(فهل تمنح منها؟ قال: نعم، قال: فهل تحلبها يوم وردها؟ فقال: نعم) . وقال بعض العلماء: كانت الهجرة على غير أهل مكة من الرغائب ولم تكن فرضًا. والدليل على ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) للذى سأله عن الهجرة: (إن شأنها لشديد، فهل لك من إبل) ؟ ولم يوجب عليه الهجرة. قال أبو عبيد فى كتاب الأموال: كانت الهجرة على أهل الحاضرة، ولم تكن على أهل البادية.