وأما قول عمرو بن سعيد لأبى شريح: تمت أنا أعلم منك -، فإن العلماء اخنلفوا فى الصاحب إذا روى الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، هل يكون أولى بتأويله ممن يأتى بعده أم لا؟ فقالت طائفة: تأويل الصحابى أولى، لأنه الراوى للحديث، وهو أعلم بمخرجه وسببه. وقالت طائفة: لا يلزم تأويل الصاحب إذا لم يصب التأويل واحتجوا بحديث أبى القعيس فى تحريم لبن الفحل، وقالوا: قد أفتت عائشة بخلافه، وهى راوية الحديث، فكان يدخل عليها من أرضعته أخواتها، ولا يدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها، وهذا ترك منها للقول بما روته من تحريم لبن الفحل، فلم يلتفت مالك ولا الكوفويون، والشافعى إلى تأويلها، وأخذوا بحديثها. وكذلك فعلوا فى حديث ابن عباس، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) خَيَّر بريرة بعد أن اشترتها عائشة وأعتقتها. وكان ابن عباس يفتى بأن بيع الأمة طلاقها، وحديثه هذا مخالف لفتواه، لأنه لو كان بيعها طلاقها لم تُخَيَّر وهى مطلقة فى أن تطلق نفسها بعده. وذهب أئمة الفتوى إلى أن بيع الأمة ليس بطلاق لها على ما جاء فى الحديث. وكذلك حديث عائشة: تمت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين -، ترك الكوفيون، وإسماعيل ابن إسحاق فتوى عائشة بخلاف روايتها، وأخذوا بالحديث، وقالوا: القصر فى السفر فريضة، ورواه أشهب، عن مالك.