واحتج الكوفيون بحديث سلمة بن الأكوع، وقالوا: هو حجة لنا فى أن كل صوم فرض فى وقت معين فإنه لا يحتاج إلى تبييت من الليل كالنذر المعين، ويجوز أن ينوى له بالنهار قبل الزوال، وكل صوم واجب فى الذمة ولا يتعلق بوقت معين فلابد فيه من النية فى الليل، قالوا: ألا ترى أن النبى، عليه السلام، أمر الناس بيوم عاشوراء بعد ما أصبحوا أن يصوموا، وهو يومئذ عليهم فرض كما صار صوم رمضان بعد ذلك على الناس فرضا، وكان تصحيح هذه الأخبار أن يحمل حديث عاشوراء فى صوم الفرض فى اليوم المعين، لأن عاشوراء فرض فى يوم معين كرمضان فرض فى أيام معينة، فلما كان يجزئ صوم عاشوراء من نوى صومه بعد ما أصبح، كذلك شهر رمضان. وقال الأوزاعى: كقول أبى حنيفة، وذهب مالك، والليث، والشافعى، وأحمد إلى أنه لابد فى صوم الفرض من نية متقدمة فى الليل، واحتج ابن القاصر لهم فقال: إنا لا نسلم استدلال من خالفنا بحديث سلمة بن الأكوع أن صوم عاشوراء كان واجبًا، بدليل قوله فيه:(من أكل فليصم) ، فأمر من كان آكلاً بالإمساك، ولم يأمره بالقضاء، ولو كان واجبًا لأمره بقضائه، وقوله عليه السلام:(نحن أحق بصيامه) ، يدل أنه كان على وجه التطوع حين نسخ برمضان، فزال حكمه، ولو قلنا: إن صومه كان واجبًا، لقلنا: إن صومه إنما وجب فى الوقت الذى أمر به، وقد زال ذلك بزواله، فحصلت النية متقدمة عليه، ولا يقاس عليه وسأتقصى الكلام فى صوم عاشوراء فى بابه بعد هذا، إن شاء الله.